ذهبت وهل سَتعودُ يومًا؟ - 0
كنتُ فتاةً صغيرةً كثيرةً الحركةِ والطلبات كما يقول البعض “عِشتُ حياتي بشكلٍ صحيح” لم أترك شيئًا في نفسي إلا وفعلته ولا حلمًا إلا وجربته بشوق، كان لدي صوتٌ جهورً بشكلٍ بديع ولكني لم ألاحظ ذلك إلا في السنةِ الثانية من المرحلةِ الثانوية، حينما قابلةُ حُب حياتي في نادي الإلقاء.
أسمي راسيل وأنا فتاةٌ ذاتُ شعرٍ بُنيٍ طويل يصلُ إلى أسفل ظهري، عِندما تَسطِعُ عليه الشمس يتلون بلون الذهب المتلألئ، أما وجهي فماذا أقول.. بشرتي بيضاءَ ناصعة سَلِسة الملمس وجميلةُ الشُعور، هل تَعِرفُ العسل؟
قيل لي أني قد قُبلةُ من قِبلِ نحلةٍ في عيني، لذا عينَّي تمتاز بلونها العسلي الجذاب الآسِر، وغمازتان في جانبي خدي الدائري المُنتفخ وتعلو فمي قليلًا.
أتمتعُ بجسدٍ رياضي أنيق وممشوق الجوانب بسبب مُمارستي لأنواع الرياضات المختلفة، كما قُلت لك فقد جربتُ كل شيءٍ رَغِبتُ به سابقًا، وبعد أن قرأت كلامي بالتأكيد وجدتني جميلة المحيا والمعشر.. طبعًا هذا بِفضلِ جيناتي الجيدة بالطبع، لا تقلق هذا ليس غُرورًا بل حقيقة.
كانت حياتي مثالية جدًا لم يُخالفني أحد في شيءٍ ابدًا حتى ألتقيتُ بحبِ حياتي، ذلك الفتى الذي خالفني للمرةِ الأولى في حياتي، كِنان فتى أنضم معي في نفس النادي، كان مُبتسِمًا ومُفعمًا بالحيوية رُغم المشاكل التي حصلت في حياته بسبب انفِصالِ والديه ورحيلهِ عن والدته وأختهِ الصغرى، في البداية لم أُعلق أو أتحدث معه كثيرًا ولكنهُ بادرَ بأذيتي أولًا!
لأنه وبِسبب جمالي ودرجاتي كُنت حديثَ المدرسةِ بأسرها، ولكنهُ جاء وسرق مني كل شيء! تجاوزني في كل الاختبارات بنصفِ درجة، ولأنه يمتلِكُ وجهًا وسيمًا وجسدًا رشيقًا قيِلَ عنه “جميل، بديعُ الجمال” ولم يَعد أحدٌ مهتمًا بي! كُنت أُفكر بأنه أمرٌ فضيع فكيف له أن يظهر فجأةً ويسلِب مني كل شيء! آه هذا مزعج!
وهل تعلمُ أيضًا أنه مُشاغبٌ برتبةِ محترف ووجهِ ملاك؟ أجل كان يفتعلُ المشاكلِ حولي دائمًا وأنا من أُعاقَبُ عليها! سواء كان ذلك داخِل المدرسةِ او خارجها، ولكن بصراحة أحببتُ ذلك، أحببتُ ذلك الشعور بالحماس قبل البدء والخوف من اكتشافِنا والتسلية بملامِحهم بعد مقلبٍ صغيرٍ غير مؤذٍ، وهكذا بدأنا بالتقارُبِ شيئًا فشيئًا.
اتذكرُ مرةً عِندما ذهبنا في رحلةٍ مدرسية في إحدى الجُزر الجميلة ذات المناخ العليل والنسيم اللطيف، قُرب الأمواج الهادئة المُنعشة كُنت أسير حاملةً كامرتي لألتقط بعض الذكريات لذلك المنظر البديع، وايضًا لأن صديقتي المقربة طلبت مني أن أوثق لها كل شيء عن الرحلة لأن أهلها قد رفضا قُدومها معنا في الرحلة!
رَفعتُ الكاميرا ووضعتها في وضع الفيديو لأُسجل طيران الطيور المتناسق من فوق الأمواج المتصاعدة بهدوء متوجهةً نحو التِلال الخلفية ومن ثم تطيرُ بعيدًا، وفي ذلك الجمالُ الطبيعي رأيته.. كِنان الواقف فوق تِلك التلال وهو يحمل كاميرةً يلتقط الصور مثلي، وللمرة الأولى في حياتي لاحظتُ وجههُ الحاد الوسيم مع تِلك الشامة الصغيرة أسفل شفتيه، وعينيهِ السوداء القاتمة التي تنظرُ إلى العدسةِ بتمعن، شعرهُ الأسود الذي يلمع تحت أشعت الشمس يُرفرف ويتلألأ كأنه لوحةٌ قد خُلقة امامي من أشياء قد تجاهلتها نفسي المتكبرة..
فجأة انتبتُ لنفسي التي كانت قد التقطت العديد من الصور لوجهه ولكلِ حركةٍ قد قام بها بشكلٍ متناسق أُحرجتُ من أفكاري وأشحتُ بنظري بعيدًا وكأني أستِعدُ لالتقاط صورةٍ لأحدِ الطيور ومع كل ذلك لم أستطع إخفاء توتري وإحراجي من تِلك الأفكار التي ملأت عقلي عندما تأملتُ وجهه الوسيم..!
شهيق.. زفيير.. قلبي ينبِضُ بقوة أشعرُ وكأنه سيهربُ من صدري ويطير خلف تِلك الأسرابِ الطائرة، وجهي قد اِحمّرَ ولم أعد أعرف أي شيء لتتوقف الأفكار من الدخول وتَجد طريقها للخروج من عقلي، كانت من أصعب لحظاتِ حياتي مع من خفق له قلبي، كِنان الذي حُفِر اسمهُ على قلبي الرقيق بدون أن اعلم!
اقتربتُ من البحرِ قليلًا لأغسل وجهي المُحمر ولم أنتبه انه قد أصبح خلفي مُخفيًا ضحكته.. كان يُخفي ضحكته لأنه قد دفعني نحو البحر لأسقطَ على وجهي بشكلٍ يدعوا للضحك والسخرية، تلاشى توتري وأمسكتُ بقدمه وسحبته معي إلى المياه لأرد له ما بدأهُ بي، لتنطلق ضَحِكاتنا بشكلٍ لطيف مع ذلك الجو الخفيف.
هدأ قلبي للحظات ولكنه لم ينسى الشخص الذي خفق له بشده..!
وهكذا استمرت الأيام ونحن نقترب من بعضنا عبر المشاكل والمواقِف المُتشابهة التي تحدث لنا داخل والمدرسةِ وخارجها، وفي أحد الأيام قَدِمَ إليَّ كِنان وسألني أن أذهب معه إلى مكانٍ ما ولكنه لم يَبُح بماهيةِ ذلك المكان وجعلهُ غامضًا! ولكني قَبِلتُ بسرعه لأنني ظننتُ أننا سنذهب للمشاجرة مع عِصابةٍ ما أو انه قد ورطني في إحدى المشاجرات وهو خَجلٌ من إخباري بذلك بنفسه فهذا هو كِنان الذي أعرفه. ولكنه لم يكن كذلك..!
سِرنا طويلًا في حيٍ بدا عليه القِدم ولم يكن هُنالك أيُ أحدٍ في الجوار وكأنه لم يَسر أنسيٌ على هذا الطريق! ولأننا على وقتِ الغروب بدا المكان موحِشًا كأفلام الرُعبِ تمامًا وذلك ما جعل جسدي يشتعل لأُخيف كِنان بمقلبٍ لأرى وجههُ الخائف..
تراجعتُ بخطواتٍ خفيفة لأكون خلفهُ مباشرةً ثم أمسكةُ بِكتفيه بقوةٍ وقلتُ بصوتٍ عالٍ “شبح!!”..
أمسك بيدي وأبعدها عن كتفه وقال بصوتٍ بارد غير مهتم “لا تُحاولي لا ينجح معي”
أزحتُ بعيني بغضب وتابعتُ السير إلى الأمام متجاهلةً وجوده وتركته خلفي، ومع مرور الوقت لم أعد أشعرُ به حولي! نظرتُ خلفي ولم أجده!
ضَحِكتُ ورحتُ أناديه ولكن لم يُجب عليّ! كان المكانُ مظلمًا وبدأ الرُعب يتخلل إلى جسدي جريتُ إلى المكان السابق الذي كُنا فيه ولكنه لم يكن موجودًا!!
تمكن الخوفُ من جسدي ليرتَعِشَ وتتجمدَ أطرافي، رحتُ أُنادي باسمه “كِنان، اين أنت؟”، ثم رأيتُ ظِلًا أمامي ركضتُ نحوه ولكني لم أجد أحدًا!
انهمرت دموعي بغزاره، خِفتُ أني لن أراه مجددًا، فجأةً اقترب من خلفي وأمسك كتفي وصرخ “شبح!!” سقطتُ من الخوف وبدأ يضحك ويسخر مني كعادته ولكنه توقف عِندما رأى وجهي الخائف ودموعيَ المنهمرة، تغيرت ملامحهُ وقال بنبرةٍ خفيفة نادمة “اسف، سأُريكِ شيئًا جميلًا لتُسامحيني”.
تلاشت دموعي فجأةً ليس بسبب كلامه لكن بسببِ صدمتي! فالشخص الذي أعرفه لن يقول كلمةَ اسف هكذا بكل بساطة! كِنان لم يقل اسف رغم أنه تسبب في رسوبي ومعاقبتي وسقوطي وكل شيءٍ سيءٍ حل بي.. والآن يقول اسف!!
لذا شعرتُ بشيءٍ مُريبٍ حوله، ثم تابعنا السير حتى وصلنا لمنزلٍ ذا بوابةٍ حمراء كبيرة ذاتَ باحةٍ واسعةٍ فسيحة وفي وسطها يوجد العِشق..
وسطها يوجد شجرةُ تُفاحٍ كبيرة، أُخِذتُ في تِلك الشجرةِ الكبيرةِ المليئةِ بالتفاح الأسِر اللذيذِ الطازج لم أُفكر في أي شيء وأسرعتُ نحوها لأقفِزَ وألتقِط لي تفاحةً وابدأ بالتهامها سريعًا، وبعد أن التهمتُ نِصفها خطر على بالي انه ربما تكون هذه الشجرة مِلكًا لشخصٍ ما ويجب عليَّ أخذ الإذن أولًا!
نظرتُ نحو كِنان بتوتر وقلت “من مالك هذا المنزل؟ وهذا التُفاح هل يُسمح لي بأكله؟”
أنفجر كِنان ضاحِكًا وقال بسخرية “بعد أن قفزتي كالأرنب وأكلتِها تقولين هل يُسمح لي؟ راسيل أنتِ حقًا غبية!”
قُلت له “أصمت وأجبني”
ابتسمَ بابتسامته المُعتادة الصافية وقال “هذه مُلكٌ لعائلتي، لكي أن تأكُلي ما شئتِ”
عُدت لتُفاحتي اللذيذة بكل راحة ولم انتبه لتِلك النظراتِ الحنونة التي تحمل العديد من الكلمات والمعاني، النظرة التي تأسِرُ القلب لشدةِ حُسنها وأبهى معانيها، كنتُ أعلم انه ينظر لي ولكن لشدةِ انغماسي في التفاح لم أفهم أو أركز في معنى تِلك النظرات! وتجاهلتُها..
بعد ذلك جمعنا الكثير من التفاح وجلسنا تحت الشجرةِ في هدوء، ألتفت إليَّ كِنان وقال بصوتٍ جاد ” راسيل هل تعلمين امرًا؟”
نظرتُ له بتعجبٍ وفي محشوٌ بالتُفاح، أسند رأسه على الشجرةِ براحة وضَحِك بخفة ثم أكمل قائلًا “هذا ما أُحبهُ فيكِ”
لم أعي ما يقول لأن جُل تفكيري في التفاحة التي بيدي، ثم قال “أنا أحبك”
قلت بدون تفكير “تُحبني؟” وبعد لحظةٍ بِتُ أعي ما يقول! وصرختُ “لم أسمع!”
نظر لي بجدية وقال ” أنا أُحبكِ راسيل”
وبدونِ إدراكٍ مني قُلت “تمزح صحيح؟”
قال “لا أنا جاد حقًا ما…” وقبل ان يُكملَ كلامه حملتُ سلة التفاح وهربتُ بها بعيدًا.
ركضتُ إلى منزلي سريعًا وإلى غرفتي ومخبأي الوحيد مع دقاتِ قلبيَ الصاخبةِ المسموعة، بدأتُ أسير في الغرفة بسرعة ذهابًا وإيابًا، وأدور حول نفسي الحائرةِ الخجلة، وكلما أتذكرُ وجهه يزدادُ وجهي احمرارًا! بتِلك النبرةِ الجادةِ الأخاذة تمكن من إرباكِ عقلي الذي كان يدّعي الاتزان والثِقل!
فجأةً دخلت عليَّ والدتي لتقول شيئًا ولكنها عندما رأتني سارعت إلى ووضعت يدها الحنونةَ على جبيني وقالت بوجهٍ قلق “وجهُكِ أحمر، صغيرتي هل أنتِ بخير؟”
نظرتُ لها بوجهٍ خجولٍ مُحتار وأجبتُها بصوتٍ متعب “أمي؟ اريد ان أتغيب غدًا.. لا ارغب بالذهابِ إلى المدرسة”
ردت أني بهدوء “هل يوجد شيءٌ ما؟”
أزحتُ بعيني قليلًا وقلت “لا فقط متعبه”
لم تُعلق أمي على كلامي وحالتي ولكنها قد سمحت ليَ بالتغيب عن المدرسة وهذا ما أتاح لي الوقت لأُفكر في حقيقة مشاعري وما قاله لي كِنان اليوم.
وفي اليوم التالي كنتُ أجلسُ في غرفتي كالصنم الذي لا يَفعلُ أي شيء، كنتُ مختلفةً عنه لأنني أكل وأشرب فقط، أنظر إلى الجدران البيضاءَ الصافيةَ حولي وبِجانبِ سلة التُفاح التي قطفتُها مع كِنان بالأمس، يسيلُ لُعابي عندما اراه ولكن يدي لا تتحركُ للمسه! حتى النظرُ إليه يُزعِجُ قلبي ليعودَ إلى النبضِ بقوة..
وعِندما بدأت الشمسُ بالمغيب نظرتُ من نافذةِ غرفتي صدفةً لأجد كِنان يقِفُ أمامها ويبدوا حائرًا ومترددًا بعض الشيء، كنتُ أراقبه بهدوء حتى ألتفت لي وبدأ بالتلويح لي بابتسامته الجميلة وكأنه يقول “أخرجي أود لُقياكِ” لكني لم أخرج واكتفيتُ بالتلويح له ثم ابتعدتُ عن النافذة وأمسكتُ هاتفي وأرسلتُ له (لا أستطيع مقابلتك.)
أرسل لي (لدي شيء مهم، فقط لوقتٍ قصير)
أرسلتُ له (أسفه..)
بعدها لم يُرسل أي شيء.. نظرتُ من النافذةِ لأراهُ مغادِرًا مطأطئ الرأس بشكلٍ حزين، شعرتُ عندها أني حقيرةٌ جدًا لأجعل هذا الجمال يحزن ويُغادر المكان بيأس، وهنا تيقنت أن قلبي قد توجهه نحوه فقط تعلقَ بكل تفاصيله وحركاته وقررت أن أرد على اعترافه غدًا في المدرسةِ عِندما أراه.
وفي اليوم التالي نهضتُ من سريري متحمسةً لملاقاةِ من مَلك قلبي، خرجتُ من منزلي ولأول مرةً قررت الذهاب إلى المدرسة سيرًا على الأقدام بدلًا من السيارة، كنتُ أمشي ببط وبخطواتٍ قصيرة مع أن قلبي يخفق بشدة بمجرد التفكير به فقط ولكن قدمي لم تتحرك كما يُريد فالقلق الذي يتملك عقلي قد أثر عليها فصرتُ بين كلامِ عقلي ورغباتِ قلبي!
كنتُ أفكر ‘ماذا ستكون ردة فعله؟ وكيفَ سيُجيب على اعترافي؟’ كنتُ أرتجفُ حماسًا .. ولكن..
وصلتُ إلى المدرسة ومن بعدها إلى الصف، أول ما توجهت نحوه عيناي هو مقعده أخر الصف قُرب النافذةِ الكبيرة، جلستُ على مقعدي بهدوء وعيناي لم تُفارقان مقعده متشوقةً إلى رويته ولابتسامته الساحرة، ومن بعدها وصلت صديقتي وبدأت بالتحدث عن أمور حياتها ولكني لم أكن مع حديثها فكلُ جسدي موجهٌ نحو مِقعدِ كنان وكأنني لا أعرفُ سواه..
وبعد مضي حصتين تنهدتُ بصوتٍ مسموع عِندها انتبهت صديقتي لنظراتي إلى مقعده ومن ثمَ تنهدت وقالت ” سأشتاق له حقًا”
تعجبتُ من كلامها وقلت “من؟”
تراجعت بدهشة وأسندت ظهرها على المقعد وقالت “ألا تعلمين؟!! كِنان سيُسافر خارج البلاد اليوم”
وضعتُ يدي على صدري وقلت “ماذا!! من قال هذا الكلام؟”
ردت ” بالأمس أخبر جميع الطلبة وقدم انسحابهِ من المدرسة ايضًا قائلًا انه وبسبب أمورهِ العائلية، كنتُ أضن أنك تعلمين بذلك لأنكما مقربان!”
ضِعتُ من كلامها وتهتُ في أفكاري! أخذني التفكير باللحظاتِ السابقة.. كان لديه شيءٌ ليخبرني تحت الشجرة لكني هربت! ثم قَدِمَ إلى منزلي وأنا تهربت!
حَملتُ هاتفي بسرعه وأرسلتُ له رسالة (كِنان هل حقًا سترحل؟!!)
وبعد وقتٍ ليس بطويل رد كِنان برسالةٍ قصيرة (أجل..)
أرسلتُ له (هل يُمكن ألا تذهب؟ مازال لدي الكثير لأقوله لك) ولكنه لم يرد على رسالتي..
ثم أتبعتُ برسالةٍ أخرى (أتذكر عندما اعترفت لي تحت الشجرة؟ عندما هربت.. اسفة حينها لم أعي ما حدث لذا هربت، اعلم أنه ذلك يبدو غريبًا بسبب شخصيتي لا بد أنه قد خابَ أملكَ وظننت أني أكرهك! لكن الحقيقة هي أنا أحبك.. أحبك حقًا)
ثم أرسل تسجيل صوتي وبدا من صوته أنه يبتسم ويضحك على كلامي (راسيل أنتِ حقًا.. تتحدثين كما لو أننا لن نلتقي مجددًا، أعدك سأعود في يومٍ ما)
أرسلت (أتعِدُني؟)
عِندها أرسل الرسالة التي أذابت قلبي (أجل يا مالكةَ قلبي)
ثم أرسل أُخرى (آسف يجب ان أركب الطائرةَ الآن، سأُراسِلكِ لاحقًا)
ثم سألتُ صديقتي عما إذا كانت تعلم عن موعد رحلته فأجابت “سيرحل اليوم في الرحلة رقم 3 بالأمس أخبرنا”
صحيح أنه قال سنلتقي يومًا لكن… لكن قلبي أبى الارتياح وعقلي لم يستوعب أي شيء ودخلتُ في حيرةٍ عميقة..
وبعد انتهاء الدوام عُدتُ إلى منزلي متعبةً وبدأت بالتقليبِ في هاتفي ليظهر أمامي خبر انفجار طائرة..
كان رقم تِلك الرحلة هو.. الرقم 3! انفجرت فوق المحيط وذُكِرَ أنه قد وقع العديد من الضحايا والكثيرُ منهم مفقودين وبدونِ أثر!
فتحتُ قائمةَ الضحايا بيدٍ مرتجفة ونفسٍ منقطع وكأني لم أتنفس قط.. بدأتُ أقلِبُ فيها ولم أجد أسمه، زفرتُ زفيرًا قويًا ثم وقفتُ أمامَ قائمةِ المفقودين وضعتُ يدي على صدري خائفةً من أن يكون اسمهُ بين تِلك الأسماء.. أُقلبُ بين الأسماء بهدوء ودموعي قد باتت على مشارفِ عيني وكأنها مستعدةٌ لترى اسمه وتنهمر! ثم عِندما وصلتُ إلى الاسم الأخير وجدته… اسمه كان الاسم الأخير في القائمة!!
آهٍ يا قلبي.. دموعي انهمرت بقوة وقلبي يعتصرُ بشدة.
ألمٌ شديد.. أشعرُ…
بدأتُ بالبكاء بحرقة وبصوتٍ عالٍ لم أشعر بأي شيءٍ حولي، لم آبه بعائلتي التي اجتمعت حولي لتعرفَ سبب بُكائي هكذا.. لا شيء حولي سيجعلني ألتفت إليه بدلًا من اسمه في القائمة، كُنتُ أصرخُ داخليًا أُعاتِبُ نفسي عما مضى (انا الحمقاء! تصرفتُ كما أننا سنبقى معًا دائمًا، هو لم يرني وأنا أعترف ولم يسمع صوتي! كل ذلك الكلام الذي جهزته لم أستطع أن ابوح له به، آه من نفسيَ الأنانية)
صرختُ بصوتٍ عالٍ وفي داخلي يتجلى اسمه “كِنان” كلامه، حركاته، وصوته، وابتسامته الجميلة.. “كِنان.. كِنان ذهب.. كِنان م م ما..”
مرت الشهور والسنوات ولم أسمع أيَ خبرٍ عنه، وللآن اسمه له وقعٌ مولمٌ في نفسي وذاتي وعقلي.. فمن كان يعلم أن تِلك الابتسامة كانت آخر ما سأراه! كم اشتقت لصوته وهو يُنادي بإسمي ويضحك، اشتقتُ لكلِ ما فيه وجهه، ضِحكته وحتى مقالبة، أكره نفسي كلما تذكرت اعترافه وأقول في نفسي “لما لم ألتفت له وأقول أنا أيضًا، أحبك يا كِنان.. لما فقط.. لم أخرج من غرفتي لمقابلته! لما فقط..” آهٍ ثم آهٍ ثم آه..
أتمنى أنه ذهب وسيعود يومًا ما ويقول “راسيل قد عدت” فرُبما أنه لم يذهب بعيدًا وسيعود يومًا إلي..
سيعود أجل سيعود مع تِلك الابتسامةِ المُشعةِ سيعود.. وسأُخبره بما في قلبي نحوهُ وجهًا لوجه..
مالكة قلبك راسيل.. إليك أنت يامن ملكت قلبي وعقلي واختفيت أجبني..
“حبي يا مالك قلبي ذهبت وهل سَتعود يومًا؟”
النهاية.