شذا الشهداء - Chapter 1
دماءٌ سُفكت هباءً
صوت قصف في الأنحاءِ، والقتلى في كل الأرجاءِ، و الأطفال في ارتعادٍ، هذه هي أرضِي، بلدي، بيتي، كل هذا يتم سلبُه منّي!!
ومن المسؤول؟ من المذنب في كل هذا؟!
نحن المذنبون .. نحن من أخطأنا؟
ولكنّ هذا ليس صحيحا.
أنا لم أفعل شيئا، بلدي لم يفعل شيئا، أرضي لم تفعل شيئا، نحن لم نبِع أرضنا ليتمّ سلبها منّا، نحن لم نهرب لأننا أردنا ذلك بل تمّ إجبارنا على ذلك !!
الطفل الصغير الميّت أمامي .. لماذا قُتل!؟هل اِعتدى على أحدٍ؟
هل ضرب أحداً؟ هل فعل شيئا جعله يستحق الموْت؟!
لا، فهو لم يفعل، الطفل الذي أمامي ميتًا ليس له ذنب في أي شيء، إذا لم سُفِكت دماءُه؟هذا الطفل الذي مات كان يبحث عن أُمه وأبيه، كان يبحث عن عائلته، لكن في لحظة يأسه تمّ قتله .. لماذا!! هل تتصورن لماذا؟ لأن صوت بكاءه كان مزعجاً! كان مزعجاً!!
تم تشريد عائلات من بيوتها دون سبب!
وتم قصف أطفال يلعبون دون سبب!
وتم طعن نساء يتسوّقن دون سبب!
وسوف نهجر بلدنا لهذا السبب.
عندما أعود من المدرسة، أريد ان أروي لأمّي يومي.
لم يمضِ على دخولي المنزلَ سوى بضع دقائق، سمعنا صوت حطامٍ، صوت متفجّرات، صوت قصفٍ في الأرجاءِ!
عادَ أبي مسرعًا من عمله وقال لنا أن نجهز أنفُسنا للرّحيل عن وطني!!
كان هذا الخبر كالصّاعقة على روحي.
فأنا سأهجر مكانًا عزيزًا عليّ، فهُنا ترعرت وهنا كوّنتُ صداقاتٍ كثيرة، وهنا حيث ولدت، هنا وطني الذي سأهجره.
“ماذا يا أبي هل تريد أن أهجر وطني!”. قالت لورا.
أجابها والدها: ” ابنتي، هذا الحل الوحيد لكي نبقى معًا كعائلة فهذا أفضل للجميع”.
قالت لورا: ” ل-لكن ألن نندم على هذا؟”.
“لا تخافي ابنتي الحبيبة فلن نندم على هذا أبدًا”. أجابها والدها.
فررنا هاربين من موطني فذلك كان مؤلمًا للغاية وفي طريقنا وقعت الفاجعة.
“لورا عزيزتي هيا أسرعي فهناك بعض القذائف تُطلَق بالجوار”. قالت والدتها.
لورا: “وما أسوءُ شيئٍ قد يحصل هنا يا أمي….”.
سُمع صوت قصف في ذلك المكان .بعدها بلحظة تم إطلاق قذيفة مدفعية في مكان عائلة لورا.
بعد أن رأى جنود الاحتلال حالة العائلة، تأكّدوا من موتهم ثم ذهبوا، بكل برودة أعصاب ذهبوا! وبكل برودة أعصاب سفكوا دِماءهم!!
لكن بعدها بفترة قصيرة تم تمشيط هذا المنطقة بواسطة المقاومة لهذا وجدوا العائلة بأكملها.
تمّ تأكيد اِسْتشهادِ الأم والأب.
أمّا أخاها الصغير فحالته صعبة جدا وفرصة عيشه ضئيلةٌ جدًا.
أمّا لورا فقد اِجتازت الحالة الصعبة ومن المقرّر حسب ما قيل، أنه عند استيقاظها سيتم نقلها الى دار الأيتام، لكن لم يُقرر في أي مدينة بعدُ.
لورا: ” اوه يالهذا الكابوس، حلمت بموت أمي وأبي وأخي، أضحكُ على نفسي كيف حلمت بشيء كهذا” قهقهت لورا .
الممرضة: ” أيتها المريضة! أيتها المريضة!! هل تسمعين؟ هل أنتِ بخير؟ فقد تعرقتِ كثيرا وأنتِ نائمة!”.
لورا: ” عذرا، لكن هل أعرفك!؟”.
الممرضة: ” اوه حسنًا فهمت ما يحصل هنا، أولًا .. آنستي، هل تعرفين أين أنتِ؟”.
لورا:”لا..”.
الممرضة: “توقعت ذلك، أنصتي لي يا آنسة، أنتِ في مخيمٍ للعلاج، فقد تم إطلاق قذيفة مدفعية نحوكِ وعائلتكِ من قِبل الاحتلال، ولهذه اللحظة انتِ وشقيقكِ فقط من نجوتم، وتم دفن والدتكِ ووالدكِ في مقبرة الشهداء”.
بعد سماع هذا أُغمي على لورا من هذا الموقف .
فكيف لفتاة تبلغ من العمر 16 عاماً فقط، أن تتقبل بكل سهولة موت والدتها ووالدها أمام أعينِها!
وأنّ شقيقها في حالة خطِرة ويمكن ألّا ينجو منها!!
بعدها بفترة تستيقظ لورا وتتساءل عمّا اوصلها إلى هذه النقطة، فبدأت باستعادة ذكرياتها عن الذي حدث وعرفت أنّ سببَ كلِّ هذا هو الاحتلال، فأقسمت لنفسها بالانتقام على ما فعلوه بأشْنع الطُّرق، لكنها لم تعرف كيف تبدأ.
الممرضة: “إذا، هل تقولون أنّهه علي إخبارها أن عليها الذهاب إلى دار الأيتام؟ لكن لا أظنها ستقبل ذلك”.
الطبيب: “هم بحاجة إلى الكثير من الأطفال، وهي لم يبقى لها أي مكان تذهب إليه بعد هذه الحرب، ولا نعرف إن كان أقاربها على قيد الحياة، فأفضل حل هو ذهابها إلى دار الأيتام، ثم إن المعاملة هناك ليست سيئة أبدًا”.
الممرضة: “هل ستقبل ذلك وشقيقها لم يستيقظ بعد؟!”.
الطبيب: “لا بأس، بعد أن يستيقظ سنرسله إلى نفس الميتم، والآن اذهبي إليها وقولي لها أن تستعد للذهاب إلى دار الايتام في بلدة “أمّ الفحم”، لأنه يوجد الكثير من المرضى ولا نستطيع أن ندع طفلةً تعيش هنا”.
في مشفى بجانب مقاطعة “جنين” حيث منبتُ المناضِلين الذين يدافعون عن أرضهم، تسمع هناك صوت تغريد طائر الشحرور، ورائحة البطيخ في كلّ مكان تذهب اليه.
الممرضة: “مرحبا لورا، كيف حالك الآن؟ هل تشعرين أنّك بخير؟”.
لورا: “الحمد لله، ونعم أعتقد أنني تحسنت الآن”.
الممرضة: “إذن استمعي لي، سوف نرسلكِ الى دار الأيتام، يمكنك اعتباره ملجأ للو..”.
لورا: “أستمحيكِ عذراً!! اخي لم يستيقظ بعد من إصاباته، وتريدين مني بكل برود أن أتركه ورائي؟!”.
“إنه الفرد الوحيد المتبقي من عائلتي! ولا أعلم حتى إذا كان سيحيا أم لا!!”. قالتها وهي مضطربة بشدة.الممرضة: “أنا اعرف، أنا اعرف أنّه من الصعب عليكِ ترك شقيقكِ، آخر فردٍ من عائلتكِ، لكنّكم لستم الوحيدين الذين أُصيبوا فهناك الكثير من المتضرِّرين، وتكاليف المشفى لا تسمح لنا بإبقاء من اصبحوا على ما يرام، إضافةً إلى ذلك، فليس لديكِ أي مكان تذهبين إليه، وإنني أقسم لكِ، أنه عندما يستيقظ شقيقكِ سنرسله إلى نفس الميتم الذي ستذهبين اليه”.
لورا: “هل ما تقولينه هو الحقيقة؟؟”.
الممرضة: “نعم، أنا اعدكِ أن كل الكلام الذي خرج من فمي هو الحقيقة”.
…………………………………………………………………
بعد مرور أسبوع كاملٍ على تلك المحادثة.
………………………………………………………………….
السائق: “لورا محمد هل انتِ جاهزة؟”.
لورا: “انتظرني لحظةً سيدي مازلت لم انتهِ”.
تذهب لورا إلى شقيقها المستلقي على السرير وكأنّه قد فارق الحياة سلفًا.
لورا: “انا آسفة اخي لأني سأتركك هنا وأذهب، آهٍ لو تعرف كيف هو شعوري الآن، أشعر وكأني أترك جزءًا منّي خلفي، قلبي يتقطّع بسبب ذلك لكن لا تخف، سأراك إن شاء الله عندما تتحسن”.
السائق: “أيّتها الصغيرة، لا يمكننا التأخّر عن الميتم، هنالك الكثير من الاشخاص الذين ينتظروننا في مخيّمات قريبة”.
لورا: “حسنا أنهيتُ يا سيدي، شكرا لكَ على انتظاري”. قالتها بابتسامة حزينة.
كان الشيء الذي يقوده السائق هي عربة تجُرّها الخيول، كانت كبيرةً وجميلةً، وبدَا أنه اشتراها للتوّ، صعدت إلى العربة ويبدو أنّها قد امتلأت سلفًا!
لكن لحسن الحظ تبقَّى فقط مقعدان، لذا ذهبتُ وجلستُ هناك ومررنا بأماكن عديدة، كان المنظر مروِّعاً، فبلدي الذي كان جميلاً تحوّل إلى هذا الشكل!
الأرض كلها فجوات، والأشجار أصبحت سوداء، البيوت كلّها هُدمت، بلادي قد أصبحت ساحةَ حرب!!
لكن وللأسف، هذه الحرب لن تنتهي .. لن تنتهي ابدًا!لن تنتهي إلا بفوز أحد الطرفين، ومن المعروف أيّ طرف سوف ينتصر، لكن متى؟ هذا ليس معروفًا.
وطوال هذه الطريق، نامت لورا من التعب فكل ما خطر على بالها هو شقيقها الصغير، وأثناء نومها توقفوا عند مخيم “اللّجون”، وقد أتى من هناك فقط فتىً في نفس عمر لُورا.