شذا الشهداء - Chapter 2
فتى غريب
بدا ذلك الفتى غير عادي، ليس وكأنه مخيف أو دون قبول، إنه فقط غريب!
صعد الفتى إلى العربة وكما ذكرنا من قبل، لم تكن هنالك أية مقاعد شاغرة غير المقعد الذي بجانب لورا.
الفتى: “عذرًا انستي هل يمكنني الجلوس بجانبك؟ فلا يوجد مقعد شاغر غير هذا المقعد”.
…..
الفتى: “آنستي؟ لماذا لا تجيبيني؟؟”.
وفي تلك اللحظة تحديدًا، علا صوت شخير لورا في العربة، لكن ولحسن الحظ ولأنه يوجد الكثير من الضوضاء لم يسمعها أحد، باِستثناء الفتى.
السائق: “يا فتى!! هيا اجلس قبل أن تسقط”.
الفتى: “حسنا سيدي”.
كان ذا شعر أسودَ ناعمٍ ولامعٍ كالحرير، وكان مموجاً كالموج عند الشروق، أما عيناه فكانت مثل صحراء وجد فيها اشجار، ولونها كلون القمح بل أجمل.
جلس ذلك الفتى الجميل بجانب لورا، وبدأ في النظر إليها.
كان شكلها مضحكًا بالنسبة له.
ففي نظره السواد الذي تحت عينيها يناسبها بشكل غريب.
وشعرها المتدرج ابتداءً من اللون الاسود إلى البني الفاتح كان مضحكاً ايضًا.
لون بشرتها الحنطي.
كل ما فيها بدى مضحكاً بالنسبة له.
وخلال تحديقه بها، فُتِحت تلك العيون البندقية، اِلتقت تلك العيون بأخرى جميلة خضراء وعسلية لدرجة انها توقفت عن التنفس للحظة.
الفتى: “أوه اخيرًا استيقظتي يا آنسة انا اسم-“.
صرخت لورا وصفعته على وجهه بقوة، لدرجة أنها خلّفت علامة يدِها.
لورا: “يا إلهي من أنت ومن أين أتيت!!”.
الفتى: “عينيي، إنها تؤلمني!”، وبدأ في الأنين.
لورا: “يالهي أنا آسفة! لم أقصد!”.
الفتى: “كنت أعبث معكِ فقط يا آنسة”، قال مُقهقِهاً.
لورا: “أنت!! هل أخبرك أحد من قبل أنّك شخصٌ تافه؟”.
الفتى: “لا، أنتِ أول من قالها لي”، قال ساخِراً.
لورا: ” أنت وقح!!”.
الفتى مُتنهّدا: “أوه يا إلهي، ماذا أفعل، لقد تأثرت كثيرًا”.
لورا: “أنا… حسناً، اُصمت إلى أن نصل”.
الفتى: “سأفكر في الأمر”.
تنهدت لورا مُتجاهلةً لهُ.
الفتى: “حسنا، ما اِسمك يا آنسة؟ انا اِسمي أوْس”.
لورا: “إنّ هذا ليس من شأنكَ”.
أوس: “حسنًا”.
…
أوس:”إذا قلتِ لي اِسمك فلن أتكلم إلى أن نصل”.
لورا: “أتعدني؟!”.
أوس:”أعدك”، قال مُبتسما بخفة.
لورا: “اِسمي لُورا”.
……
أوس: “أتعرفين معنى اسمك؟”.
لورا: “لا، لا أعرف، لم تسأل من الأساس؟”.
أوس: “إنّما أسأل بدافع الفضول فقط”.
لورا: “لا، انا لا اعرف”.
أوس: “هل تريدين معرفة معنى اسمك؟”.
لورا: “حسنا ،انا فضولية الآن، هل تعرف معنى اسمي؟”، قالت بحماس ناظِرةً صوبَ عينيهِ.
أوس: ” ح-حسنا، لورا هو إكليل الغار، نستطيع القول أنه تاج نبات الغار مصنوع من أوراق الغار، وهي أشجار كبيرة معمّرة تنبت في سواحل الشام، فاِسمك بكل صراحة اسمٌ عربي شامي الأصل، أحببت اِسمك”.
لورا: ” شكرًا ل-“.
السائق: “انتباه! انتباه للجميع!! بعد قليل سنصل الى وجهتنا الموعودة، أتمنى من الجميع الاستعداد لهذا”.
فتاة: “انا متحمسة للذهاب”.
فتى: “متحمّسة لماذا؟”.
فتاة اخرى: “عذرًا لكن هل أنت أحمق؟!”.
فتى: “ماذا!!”.
فتاة: “نحن الآن ذاهبون إلى ”أم الفحم”، أو كما يتم تسميتها “بأم النور”، وسبب تسميتها بأم الفحم هو أنها على مر العصور
كانت محطة إنتاج الفحم، واشتُهرت بهِ، إذ كان مصدر معيشة أهلِها الأول”.
فتى أخر: “ولا تنسي أن المدينة موجودة منذ العصر الكنعاني، كما أنها أحد المدن التي صمدت ضدّ الاحتلال”.
فتاة اخرى: “ولكن للأسف تم تسليم أرضي ام الفحم في عام 1949 بسبب خوف المحتلين من عبور الشارع الرئيسي، ولذلك تم تسليمها رغمًا عنهم”.
ووسط هذا الحديث الممل سُمع صوت انفجار قريب وكأن الأرض قد ثارت، لتُسمع مثل هذه الجلَبة العظيمة!!
ليتضح بعدها انها كانت قذائف مدفعية من مدافع الاحتلال!
لكنها كانت قوية! قوية جدًا و أقوى من المعتاد!!
أكان هدفهم العربة؟ التي يملأها الاطفال؟
نعم، هدفهم الأطفال! يالحقارتهم!
حقيرون لدرجة إيذاء وقتل الأطفال!!
في تلك اللحظة قد فارق الحياة عددٌ ليس بقليل من الأشخاص …. ليسوا أشخاصاً فقط، بل أطفالًا، إنّ هذا لَفِعلٌ مُشين.
…….
جندي: “سيدي أظن أن الجميع قد مات”.
قائد: “تظن؟! أريد تأكيداً على هذا!”.
جندي: “حسنًا سيدي، سأتأكّد من تصفيتهم جميعًا”.
قائد: “من الجيد أنّ هذا الذي في رأسك يفكر قليلاً!”.
…….
لورا: “رأسي، انه يؤلمني! ما الذي حدث؟!”.
عندئذ، دخل ذلك الجندي وكان ذا وجهٍ مريع، لا، بل كان مقرفًا! ابتسامته الشنيعة! ابتسم ابتسامة وصلت لأذنيه بينما يقهقه، بدا تجسيداً للشرّ.
هذا ما فعله جنديّ يمر بين جثث الأطفال!! كان كفيلًا في جعل أي شخص يرى مشهداً كهذا أن يتجمد مكانه!
كانت لورا ستكمل الحديث لكن اوقفها أوس بيده التي وضعها على فمها لكي يمنعها من إصدار أي صوت ولو كان خفيفاً.
ولحسن الحظ لم يسمعهم أو يرهم الجندي الذي بعد أن تفقّد بعضًا من جثث الأطفال، هم بالمغادرة.
أوس: “لورا! هل أنتِ بخير؟!”.
لورا: ” ه-هل كان يتفقد موت الأطفال ت-توّاً؟!!! …. لقد تم قصفُنا عن عمد!!”، وقتها بدأت لورا بالنحيب.
لورا:”لماذا يفعلون هذا؟!”، شهيق، “لماذا يتم قتل الأطفال في هذه الحرب؟!!”، شهيق، ” أولًا أخي والآن أطفال الميتم الذين كان من الممكن أن يكونوا أصدقائي”، آنذاك، بكت لورا بكاءً شديداً.
أوس: “أ-أنا، لورا …. أنا آسف، كل ما يحصل هنا بسببي”، وبعدها أجهش بالبكاء.
أوس: “كله بسببي يا لورا”، عندها اغرورقت عيناه، “أنا … الأطفال ماتوا بسببي، لو أنّي لم أكن هنا لم يكن ليموت أي أحد”، وقتها دمعت عيناه.
لورا: “أوس هذا ليس بسببك! … لم تقول إنه بسببك؟ إنّه ليس بسببك!!”.
أوس: “لقد كانوا يبحثون عني لقتلي”، شهيق، “ل-لذلك قصفوا العربة!”، شهيق، “لكني وللأسف لم أمت، ليتني مِتُّ وعاش أحد هؤلاء الأطفال”، شهيق، “فأنا لا أستحق أن أحيا”، بعد تلك الجملة أصبح صوته ضعيفًا وكان هذا مؤشرًا على نحيبه.
كيف لفتى لم يبلغ الثامنة عشرة بعدُ أن يتحمل مقتل أطفال لا يقل عددهم عن العشرين طفل؟!! كيف يتحمل أنه هو السبب في هذه المجزرة؟!!.
لورا: “أوس إن هذا ليس بسببك، ما حدث لم يكن بسببك أبدًا، كل ما حدث معك ومعي ومع جميع الأطفال الذين كانوا في العربة و أي طفل في بلدي، كله بسبب الاحتلال، هم من جعلونا أيتاماً، هم من قتلوا والديّ، هم من أحدثوا لأخي إصابات خطيرة، هم من أبادوا بلدي، وطني، انه ليس بسببك، بل بسببهم”.
في تلك اللحظة سُمِع صوت خطوات أحدِهِم، ظنَ أوس ولورا أن الجندي قد عاد من جديد، لكن ويالها من مفاجأة سارة! لقد كان شخصًا يرتدي شارة عليها علم فلسطين.