صِراعُ المُلوك - 2
{ منظور كورو روديون }
بعد تلقِّي الأوامر من قائدي، انطلقتُ نحو الغابة باحثًا عن آريا وزينو، سيكون من المزعج أن يقوم العدو بتفريقنا بعيدًا عن بعضنا البعض.
وأيضًا؛ لو كان هدفهم الحصول على ‘آريا’ يجب عليَّ تقديم العون لزينو.
التفكير في سبب هجومهم علينا أمرٌ مرهق، هنالك حلٌّ آخر أكثر كفاءة، الإمساك بهم وضربُهم حتى الموت ليعترفوا بدوافعهم!
بعد بضع دقائق من الركض المُستمر وسط الأشجار العملاقة لغابة الوحوش، وبالطبع القضاء على عددٍ قليلٍ من الوحوش في الطريق؛ وصلتُ للمكان الذي كان من المفترض علينا التجمُّع فيه.
بمجرد وصولي شعرتُ بتدفقٍ وحشي للمانا كاد يخترق جلدي، أتى هذا التدفق من نفسِ مكان تواجد رايدن.
على الأغلب لقد بدأ تصادمه مع الوغد ذو الحضور الوحشي السابق.
ستكون مهمة اليوم مرهقةً قليلًا على ما يبدو!
تفحصتُ المكان بعينيَّ بحثًا عن رفيقي، حتى وقعَت عيناي عليهما، جسدٌ ضئيل ونحيف، بِشعرٍ أشقر وأعينٍ زرقاء لامعة، ممسكًا بسيفٍ ضخم مقارنةً بحجم جسده، وقف زينو فوق جثةِ أحد وحوش الغابة.
“ما بال هذا الضغط الوحشي؟” تساءل صوتٌ رقيق أتى من خلف جثة الوحش المُمَدد على الأرض.
استدارت صاحبة الصوت لِتكشفَ عن وجهٍ دائري ناصع البياض تلوَّث ببضع قطراتٍ من الدماء المتناثرة من إحدى الوحوش التي قتلتها، لكن وعلى الرغم من ذلك لم ينقص ذلك من جمالها قط، تدلَّت خُصلات شعرها البُني حتى وصلت لمنتصف ظهرها تقريبًا، شعرٌ ناعمٌ ممتد آسرٌ للقلوب، تدلت منه بِضعُ خصلاتٍ غطت مقدمة رأسها، بِفكٍ حاد، وأنفٍ مستقيم، وشفتين ورديتين.
وقفت ‘آريا’ محدقةً في جثة الوحش.
على الرغم من جميع صفاتها التي تصرخ بالأنوثة، لكن أكثر ما منحها هذا القدر المبهر من الجمال والقوة على حد سواء لم يكن شيئا سوى اللون البنفسجي اللامع لعينيها، لم تكُن أعينًا قوية مليئة بالثقة فحسب، بل كانت مصدر قوتها الأساسي، ‘أعين البنفسج’ لقد تغنى كُتَّاب السحر والمروضون بهذا المصطلح لوقتٍ طويل جدًا.
لا ألومهم حقا، فبجانب جمالهما الآسر ولونهما المميز، القدرات التي توفرها أعينُ البنفسج تجعلها مشدًا لاهتمام العديد من مجانين البحث عن القوة.
لكن بعد مقابلتها لرايدن ظلَّت آريا تحت حِمَى اسمه المهيب، وعلى الرغم من ذلك بين الحين والآخر يحاول بعض الأغبياء القيام ببضع الهجمات الانتحارية للحصول عليها.
وبالطبع يتم سحقهم حتى الموت من قِبلِنا.
“زينو، آريا، نحن نتعرض للهجوم على الأغلب.” تحدثتُ بعد أن قمتُ بالتربيت على كتف زينو.
“كورو! سأقتلك إن تسلَّلت خلفي مرة أخرى، أحدِثْ بعض الأصوات الطبيعية أيها الأمير اللعين.” صرخ زينو من الفزع.
كانت هذه إحدى هواياتي المفضلة، إخافة زينو بهدوء حركتي لهوَ شيءٌ ممتع.
“أيضًا، ألسنا معتادين على التعرض للهجوم؟ هذا يحدث يوميًا كما تعلم” أكمل زينو حديثه بعد سكوته للحظة.
“ماذا تقصد بعلى الأغلب؟ ” سألت آريا.
“قام شقيٌّ صغير بطعن رايدن، وعلى الأغلب هو يواجهه الآن.”
الجملة السابقة قامت بشد انتباههما، في النهاية، لا يتعرض رايدن للطعن كل يوم.
“الشقي لن يُشكل متاعبًا لرايدن، لكن صاحب الضغط الوحشي السابق سيُشكل بعض المشاكل.” أنهيت حديثي.
“قاموا بطعن رايدن؟” تساءلت آريا باندهاش.
“هم ليسوا بأشخاصٍ عاديين بعد كل شيء.” تحدث زينو.
“أيظنون حقًا أنهم قادرون على هزيمة رايدن بهذا المستوى؟” سألت آريا وهي تمسح بعض الدماء المتناثرة على وجهها.
“دعينا لا نُقلل منهم، لنذهب لتقديم الدعم له.” ردَّ زينو بعدما رفع سيفه من جثة الوحش الممزق إربًا.
“زينو مُحق، علينا التوجه لتقديم الدعم لرايدن، لكن قبل ذلك…” سكتُّ للحظة قبل أن أتابع:
“ما رأيك في الخروج الآن؟”
“لقد كنتُ أنوي تركه حتى يكشف هو نفسه، لكن لا بأس.” تحدثت آريا.
“لقد كُشفت إذًا.” تحدث صوتٌ عميق قادمٌ من وسط الغابة.
“لا يُستهان بكم كما المُتوقع”
صوتُ خطواتٍ قادمةٍ من نفس اتجاه صاحب الصوت العميق بدأت بالظهور، وبعد لحظاتٍ معدودة خرج من وسط الظُّلمة جسدٌ عملاقٌ وصل طوله لمترين تقريبًا، مرتديًا سترة سوداء غطت جسده بالكامل، لكن وعلى الرغم من ذلك برزت عضلاته الضخمة من تحت السترة السوداء، موضحةً كمَّ الجهد المبذول في تدريب هذا الجسد للوصول لهذا المستوى.
رأسه الأصلع وبشرته السوداء قاموا بدعم شكل عضلاته وتأكيد مدى قوة جسده، عينه حملت لونًا أسودًا نقيًا جعلني أظن أنه لم يمتلك عينين أصلًا في البداية، ما كان مميزًا بشكل خاص حوله هو السيف العملاق المتواجد خلف ظهره، سيفٌ بدا من الوهلة الأولى قادرًا على قسم شخصٍ لنصفين بكل سهولة.
الهالة المحيطة بهذا الشخص مختلفة تمامًا عن ذلك الغبي الذي طعن رايدن، إلى جانب مظهره الذي يوحي بالرزانة والهدوء، وجسده الذي يصرخ بالخبرة، الهالة المحيطة به لم تكن هالةَ شخصٍ عادي.
هو قوي!
على عكس ذلك الطفل هو لم يُهاجم بشكلٍ مفاجئ، على الأغلب كان ينتظر اللحظة التي سَنتحرك فيها نحو رايدن ليبدأ هجومه، بدا وأنه كان ينتظر هذا منذ البداية.
الأمر باتَ معقدًا، وجود شخصٍ كهذا سيجعل الأمور شائكة قليلًا، رايدن على الأغلب قد تعامل بالفعل مع ذلك الطفل الصغير، لكن أشكُ أنه سيقدر على هزيمة صاحب الضغط الوحشي دون استخدام قوته.
كان قرار قدومي إلى هنا صائبًا!
ترك المجال لرايدن لإطلاق قوته الكاملة، وإتاحة الفرصة له ولوحشه بالقتال بأريحية كان أفضل اختيارٍ متوفر.
بالإضافة إلى وجودي هنا يوجد زينو وآريا، ثلاثتنا حتمًا قادرون على هزيمة هذا الرجل، بالرغم من أني لا أضمن خروجنا دون إصابات.
لا يجب علينا الحصول على أي أضرار كبيرة هنا، لازال أمامنا حربٌ طويلة علينا خوضها قريبًا.
سأحتاج لإنهاء هذا الرجل بسرعة، وبأقل أضرارٍ ممكنة.
“أنا ‘شيريو’ بالطبع لستُ سعيدًا بمقابلتكم، الآن دعونا نتخطى المقدمات العقيمة، ولنقتل بعضنا بعضًا!” صرخ المدعو شيريو قبل أن يستلَّ سيفه معلنًا بداية القتال.
“إذًا من الأقوى بينكم؟” أكمل شيريو حديثه.
“يبدو أنك متحمسٌ للقتال، هلمَّ إلي!” صرخ زينو بعد رفعه لسيفه ردًا على شيريو.
هذا الغبي المتعطش للقتال! كان بإمكاننا تجنب القتال بطرقٍ عدة!
بمجرد إنهاء زينو لحديثه، هرع شريو إليه بلا أي تردد، وفي غمضة عين كان بالفعل أمام زينو!
رفع سيفه العملاق وقام بتلويحة بدت وكأنها ستقسمُ جسد زينو إن أصابته، لكن وبفضل غرائز زينو المصقولة بسبب حياته في البرية وكردِّ فعلٍ بديهي بالنسبة له، قام برفع سيفه دفاعًا عن جسده الذي كاد أن يُمزق لأشلاء.
صوت دَوِيّ التصادم الناتج عن القوة المتفجرة الجبارة للطرفين، أنتج شرارة ضخمة قذفت كل واحدٍ منهما بعيدًا.
تدارك شيريو الوضع واستطاع إيقاف اصطدام جسده بالأشجار، في حين قُذف زينو لعدة أميالٍ بعيدًا.
مجرد تبادل هجمات عادية دون أن يستخدم أي منهما المانا كان كافيًا لإنتاج هذا الإنفجار، كلاهما قويان بشكلٍ لا يصدق، لكن بِفضل زينو استطعتُ إدراك عدة أشياء حول المدعو ‘شيريو’.
سلاحه العملاق وجسده الضخم يجعلانه يبدو منيعًا من الوهلة الأولى، لكنه يمتلك عدة نقاط ضعف.
تسك!
لماذا يجدر بي القتال بجدية في مهماتٍ متوسطة المستوى!
لعنتُ تحت أنفاسي قبل أن أتحدث:
“كان استعراضًا مقبولًا للقوة، لكن أهذا حقًا كلُّ ما لديك؟”
بدأتُ في التحرك خطوةً تلو الأخرى نحو شيريو، بغيةَ تقليل المسافة بيننا قدر الإمكان، التعامل مع هجماته المفاجئة لن يكون خيارًا حكيمًا.
“أحان وقت قتال الشخصية الرئيسية، يا حضرة النائب؟”
“أم يجدر بي منادتك بـ ‘المغتال الصامت’؟” أكمل شيريو حديثه بعد إطلاق ضحكة صاخبة.
يا رجل، مضى وقتٌ طويلٌ منذ آخر مرة سمعت فيها هذا الاسم، لا زالت الذكريات المتعلقة به تطاردني حتى الآن.
وعلى الرغم من أنه ماضٍ لا أريد تذكره، إلا أنه كان السبب في وصولي لما أنا عليه، لذلك حتى ولو كنتُ أكره الذكريات المتعلقة به، لا زالت الحماسة الناتجة عن هذا اللقب تتغلغل إليَّ في كل مرة يتردد فيها على مسمعي!
“أردَت قتالَ حياةٍ أو موت، صحيح؟”
“سأمنحك واحدًا تطلب فيه الموت!” أكملتُ حديثي بعد أن أخرجتُ خناجري.
وضعت القليل من المانا في قدميّ لتوفير نقطة انطلاق جيدة، ثم اندفعت نحو شيريو والذي كادت عضلات وجهه أن تنقطع من ابتسامته العريضة!
تصادم خناجري مع سيفه كوَّن كرةً دائريةً من المانا المتفجرة، كانت كافية لسحق الأرض أسفلنا، كما كانت كافية لاقتلاع عشراتِ الأشجار المحيطة بنا.
“لستَ سيئًا يا حضرة النائب.” تمتم شيريو بصعوبة.
“للأسف لا أستطيع قول نفس الشيء لك، الآن اذهب للجحيم!” أسدلت الستار عن هذا النقاش العقيم ووضعتُ جُلَ تركيزي في هزيمة هذا العملاق القابع أمامي.
~~~
{ منظور رايدن }
“نِطاق الملك”
“الفضاء الفارغ”
دون الحاجة للتفكير كثيرًا، انطلقتُ نحو الرجل القابع أمامي، مُحكِمًا القبض على سيفي استعدادًا لقسمه لنصفين.
لكن وعلى الرغم من تفعيل نطاق الملك والذي كان من المفترض أن يمنع أي تحركٍ دون رغبتي داخل المجال، تحرك هذا الرجل بكل هدوء متجاوزًا نصلي.
وكأنه يُداعب طفلًا صغيرًا، بكل سلاسة ودون القيام بأي مجهود تجاوز هجومي الذي قسم الغابة نصفين.
“أكان هذا نطاق الملك؟ لقد أردتُ دائمًا رؤيته!” تحدث الرجل ذو الأعين الخضراء التي تلألأت بعد إنهاء حديثه، وكأنه سعيدٌ برؤية هجومي!
هو يسخر مني تمامًا! ضغطتُ على أسناني حتى اقتربتُ من تهميشها محاولًا استعادة تركيزي.
“من أنت بحق؟!” سألته.
“هممم… سؤالٌ معقد.”
“مؤقتًا، بإمكانك مناداتي بـ’هيدس’ من جماعة ‘ليستيا’.” أجاب المدعو ‘هيدس’ بعد التفكير لِبضع ثوانٍ.
الآن لدي العديد من الأسئلة التي تحتاج لإجابات عاجلة، بدايةً؛ لم تعمدوا الهجوم علينا؟ ما هو هدفهم تحديدًا؟
حتى الآن لم أسمع أيَّ قتالٍ آخر، لذا إما أن هناك مهاجمين آخرين لكنهم هزموا من قبَل رفاقي، أو أنهم فقط يسعون خلفي.
الأكيد هو أنهم تعمدوا قتالنا في غابة الوحوش، لا أعلم السبب لكن على الأغلب للتغطية على التذبذب الذي سيحدث في إشارات المانا، من كان لِيشك أن الضغط المهول السابق هو في الواقع لِبشري؟
أيضًا كيف استطاع ذلك الشقي طعني؟ ضعيفٌ مثله لم يكن لِيطعنني حتى لو كنتُ نائمًا في قاع المحيط مُكبل اليدين.
وأخيرًا، ما هو ‘هيدس’ بحق؟!
هو قوي بشكل لا يصدق، بإمكاني رؤية ذلك دون الحاجة للتصادم معه.
لا يبدو أنه يمتلك سلاحًا، ولم أسمع به من قبل لذا لا أعرف أي نوعٍ من المروضين هو.
“يبدو أنك تفكر في العديد من الأشياء” تحدث هيدس مقاطعًا تفكيري.
“أفكر في ما أُعده على العشاء بعد قسمكَ لِنصفين.”
بعد إطلاقهِ لضحكة خفيفة انطلقتُ نحوه بقوة أكبر، لكن دون جدوى، هو قادرٌ على قراءة تحركاتي بدونِ أيَّةِ مشاكل، يتفاعل مع كل تلويحة من سيفي بكل يُسرٍ و دون أيِّ مجهود!
بعد تلويح سيفي عدة مرات مُستهدفًا عُنُقه وأعضاءه الحيوية، قام بتجنب كل الهجمات ببساطة.
وأخيرًا قام بإمساك نصل سيفي بإصبعين من يده اليمنى.
سيفي المصنوع من أصلب المواد و القادر على قسم مدنٍ كاملة بتلويحة بسيطة، قام هو بإمساكه بأصابع يده دون استعمال أي تغليفٍ من المانا.
فارق القوة بيننا كبيرٌ جدًا… حتى هذه اللحظة فقط.
أطلقت تنهيدة بسيطة وتراجعت للخلف، قمتُ بإعادة سيفي إلى غمدِه، وأوقفتُ تدفُّق المانا في جميع أنحاء جسدي، ثم قمتُ بجمعها جميعًا في المركز.
العدو القابع أمامي ليس شخصًا عاديًا، تكرار تجاوزه لهجامتي أصبح مزعجًا أيضًا، بالإضافة إلى أن أي تأخيرٍ أكثر من هذا سيجبرني على تقديم تقريرٍ مفصل.
أُفضل الموت على فِعل ذلك!
“سأحتاج للقتال بجدية على ما يبدو” تمتمت.
“المرحلة الأولى”
“إيقاظ الملك”
بمجرد انتهائي من هذه العملية المعتادة، شعرتُ بتدفق المانا الجبار يكاد يمزق أوعية جسدي، ضغط الدم في جسدي زاد لمستويات كبيرة، بعضُ الخصلات من شعري الأسود بدأت في التغير تدريجيًا للّون الأحمر، تحوَّلت مقلة عيني اليمنى للّون الأزرق، بينما ظلت عيني اليسرى حاملةً للونها الدموي المعتاد.
حتى سيفي أصبح أكثر حدة، كما تشكَّلت بِضعُ نقوشٍ على مقبضه.
حوَّلتُ نظري نحو ‘هيدس’ الذي بدا أنه محافظٌ على ابتسامته المُعتادة، لكن على الرغم من ذلك لم يستطع إخفاء التوتر الذي ارتسم على أعينه الخضراء المسترخية، يبدو أنه سيُقاتل بجدية أيضًا.
“الآن، لمَ لا نقاتل بجدية قليلاً؟” تحدثت.
“كما هو متوقعٌ من مُروِّض ملكِ التنانين.” تمتم هيدس بعد أن اتخذ وضعيةَ الدِّفاع لأول مرة منذ بداية هذا القتال.
~