ظلال البقاء - 1
### **الفصل الأول: “البداية المظلمة”**
وسط سماء ملبدة بالغيوم الثقيلة، كان العالم يميل ببطء نحو نهايته. لا أحد يعرف على وجه التحديد كيف بدأ كل شيء، لكن الجميع كانوا على يقين من شيء واحد: الحياة كما عرفوها قد انتهت.
في هذا الفوضى، بين شوارع مهجورة وصمت خيم على المدن، كان سامر، الأخ الأكبر، يحدق في الأفق من نافذة مكسورة في منزل قديم مهجور. كان العمر قد بدأ يأخذ من ملامحه الصبيانية رغم أنه لم يتجاوز العشرين. بجانبه، جلس شقيقه الأصغر، مالك، البالغ من العمر 12 عامًا. كان الخوف يملأ عينيه، لكنه حاول إخفاءه كما تعلم من شقيقه الأكبر.
”هل سيعودون اليوم؟”، سأل مالك بصوت خافت، وكأن أي صوت عالٍ قد يستدعي الكارثة.
أدار سامر عينيه نحو أخيه الصغير. “لا أعتقد ذلك. علينا أن نبقى هنا الليلة. الظلام يأتي سريعًا، ولا نملك طعامًا كافيًا للمخاطرة بالخروج”.
مرت لحظات من الصمت المشحون بينهما. منذ أن بدأت الكارثة، تغير كل شيء. المدن أصبحت أماكن خطر، والمناطق الريفية لم تعد أكثر أمانًا. الحيوانات هجرت الغابات، والمزارع أصبحت قاحلة. الناس، في أغلبهم، تحولوا إلى خطر أكبر من الطبيعة نفسها.
في الأشهر الأولى من الكارثة، بدأ الناس يفقدون الذاكرة شيئًا فشيئًا. الأمر لم يكن مجرد نسيان بسيط، بل تدهور تدريجي في الإدراك والحس الإنساني. البعض تحول إلى ما يشبه الآلات؛ يعيشون بلا هدف، يهاجمون أي شخص يقابلونه. آخرون احتفظوا ببعض من عقولهم، لكنهم لم يعودوا واثقين بمن حولهم.
”أعتقد أن هناك بعض الماء في الطابق السفلي. سأذهب وأحضر لك قليلاً”، قال سامر وهو ينهض من مكانه، متجنبًا النظر إلى مالك الذي كان قد بدأ يرتجف قليلاً من البرد والخوف.
نزل سامر درجات السلم بصمت، وهو يحاول كبح الصوت الذي قد يجذب أي مخلوق خارجي. المنزل كان قديمًا، والجدران كانت مشوهة بفعل السنين. عندما وصل إلى الطابق السفلي، أضاء مصباحًا صغيرًا كان قد احتفظ به منذ أيامه في المخيمات. انطلقت أشعة خافتة في المكان، كاشفة عن كومة من العلب الفارغة والزجاجات المتناثرة. كانت الأمور تزداد صعوبة مع كل يوم يمر، والمياه النظيفة أصبحت كنزًا نادرًا.
بينما كان يبحث بين الركام، سمع صوت خشخشة خفيفة. تجمد في مكانه، محاولًا التركيز على المصدر. “هل يمكن أن يكون أحدهم في المنزل؟”، تساءل سامر في نفسه. الصوت اقترب، وكأن شيئًا ما يتحرك بين الظلال. فجأة، ظهر كلب هزيل، جلده مغطى بالجروح والخدوش.
تراجع سامر بخطوات بطيئة إلى الخلف، محاولًا ألا يثير الكلب. الحيوان كان يبدو مرعوبًا وجائعًا، لكنه لم يظهر أي نية للهجوم. “لا تقلق، لن أؤذيك”، همس سامر، وهو يحاول الاقتراب بحذر.
الكلب تراجع خطوة للخلف لكنه لم يهرب. سامر جلس على الأرض، وأخرج قطعة خبز جافة من حقيبته وقدمها للكلب. اقترب الحيوان بحذر وأخذ الخبز، قبل أن يلتهمه بسرعة. “أنت لست وحدك، أليس كذلك؟”، سأل سامر، وهو ينظر حوله باحثًا عن علامات أخرى تدل على وجود حياة في هذا المكان المهجور.
عندما تأكد من عدم وجود خطر مباشر، حمل زجاجة ماء نصف فارغة وعاد إلى الأعلى. “وجدت بعض الماء. ليس كثيرًا، لكنه يكفي لبعض الوقت”، قال وهو يعطي الزجاجة لمالك.
”هل رأيت أحدًا؟”، سأل مالك بتوتر.
”مجرد كلب. لا تقلق، نحن بخير هنا الآن”، قال سامر محاولًا تهدئة أخيه.
الليلة كانت هادئة بشكل غريب، لكن سامر كان يعرف أن هذا الهدوء لن يدوم طويلاً. في هذا العالم الجديد، كانت الأمان لحظية، وسرعان ما تنتهي بفاجعة جديدة.
بعد أن شربا قليلًا من الماء، استلقى سامر بجانب مالك محاولًا النوم. الليل طويل، والأحلام لم تعد تأتي بسهولة.
”سامر؟”، همس مالك بعد مرور بعض الوقت.
”نعم؟”، رد سامر بصوت هادئ.
”هل سننجو من هذا؟”، سأل مالك وهو يحاول أن يخفي خوفه.
سامر ظل صامتًا للحظة. لم يكن لديه إجابة واضحة، لكنه قرر أن يخبر أخاه الصغير بما يحتاج لسماعه. “نعم، سننجو. علينا فقط أن نبقى معًا”.
في هذا العالم الجديد، الأمل كان السلعة الأكثر ندرة. لكن طالما كانا معًا، كان هناك شيء يستحق النضال من أجله.