غريب مألوف - 4
ركبنا السيارة وفي الطريق أخذ إيروس يعبث بهاتفه بجانبي بينما قدت السيارة إلى مطعم أوصاني عليه إيدن.
سألني إيروس بعد فترة قصيرة من تفقده لعدة صور في هاتفه.
” هل تملك جهازًا محمولاً يا سيدي الكاتب؟ ”
” إنه في حقيبتي في المقعد الخلفي ”
فتح إيروس حاسوبي ونظر إلي.
” ما هي كلمة السر يا سيدي؟ ”
” هل تظن أنني سأخبر الشخص الذي ينوي تفتيش منزلي ويشك بأصغر أفعالي عن كلمة سر حاسوبي؟ ”
” سأجرب حظي إذًا ”
” لديك ثلاث محاولات ”
ابتسم إيروس بشكل مثير للشبهة بعد صمت قصير.
” هل لديك حيوان أليف يا سيدي الكاتب؟ ”
” همم لا، لم أحظى بحيوان أليف من قبل ”
” ماذا عن تاريخ مولدك؟ ”
” إنه الأول من أبريل لكن لا تتعب نفسك أنا لا أضع يوم مولدي ككلمة سر ”
أخذ إيروس يحدق بالشاشة بهدوء.
” لديك محاولة أخيرة متبقية.. ”
” أعرف ذلك لهذا أنا أفكر بجدية.. شخص وحيد مثلك يمضي أيامه في الكتابة وقراءة الكتب، لا تملك صورًا في منزلك ولا أي شيء يدل على وجود شخص آخر لذا.. ”
صمت قليلاً ثم صاح فجأة.
” أظنني وجدتها..! ما هو اسم زوجتك يا سيدي الكاتب؟ ”
ابتسمت له.
” حسنًا اعترف أنك ذكي وسريع البديهة ”
ابتسم إيروس بشكل واسع.
” أرأيت؟ أخبرتك أنني عبقري ثم ما هو الاسم؟ ”
أخذت انظر إلى الأمام لفترة ثم ابتسمت له.
” إيلياروس.. ”
عبث إيروس بلوحة المفاتيح.
” اسم غريب، لكنه جميل حقًا، إيل..يارو..س.. اوه لقد فتح..! لكن يا سيدي الكاتب هل أنت متأكد من إعطائي كلمة السر؟ ألست خائفاً أنني قد أعبث به في عدم وجودك؟ ”
نظرت إليه بينما أرفع حاجبي.
” أنت تتطفل فيه بوجودي بجانبك هل تتحدث عن تطفلك في غيابي؟ ”
” اوه صحيح.. ”
كان من المفترض أن يستخدم جهازي للغرض الذي أخذه مني بسببه لكنه بدأ بالتطفل على الملفات والبيانات الأخرى دون خجل، أظن أنني كنت قد اعتدت بالفعل على تطفله لأن الأمر كان ليكون غريباً حقاً إن لم يفعل ذلك.
تنهد إيروس بخيبة أمل.
” هذا ممل.. كل ما لديك هنا هو الكتب والمسودات، لا توجد صور ولا ملفات مثيرة للشبهة حتى خلفيتك هي نفسها التي قد وضعها لك البائع كما أظن.. الآن تبدو عجوزاً حقاً بالنسبة لي ”
” لا أعلم ما الذي توقعت رؤيته بالداخل ولكن أظن أنني آسف لتخييب ظنك ”
” هل ربما قد يحوي هاتفك على شيء مثير للاهتمام يا سيدي الكاتب؟ لا، لماذا أظن أن الأمر سيكون نفسه مع هاتفك أيضاً؟ فقط لا تخبرني أنك تستخدم هاتف أزرار.. ”
” ربما أكون عجوزاً ولكن أظن أنه حتى أبي لم يستخدم هاتف أزرار توقف عن التفكير في أشياء سخيفة ”
وعدت نفسي وقتها أن أول شيء سأفعله بمجرد عودتي إلى المنزل هو تخبئة الهاتف السلكي الذي استخدمته أحياناً للاتصال بإيدن، ربما قد يصبح سبباً في جعلي أضحوكة بنظر هذا الطفل.
كانت لدى إيدن عادة جمع الأشياء القديمة الغريبة وكان هذا الهاتف واحد من تلك الأشياء، ذا لون أسود ومزخرف بالذهبي.
كانت منه نسختين، واحدة لدي والأخرى لدى إيدن.
كنت أنوي رميه في البداية لكن سعره يستطيع إطعامي لعشر سنوات لذلك حافظت عليه بصدر رحب وطيبة قلب.
تفحص إيروس بعض الصور بينما يضيق حاجباه.
حسناً بالطبع لن يكون الأمر ممتعًا أن يستمر هو بالتطفل علي فقط، أخذت انظر إلى الصور معه.
” أهي جريمة قتل؟ ”
” أصبت، مع أن الجثة قد احترقت بالكامل إلا أن التحقيقات الجنائية أفادت أن سبب الوفاة هو طلقة نارية على الرأس.. مهلاً لماذا قلت أنها جريمة قتل؟ ”
نظرت إليه بينما أقود.
” هذا بديهي، إن لم تكن جريمة قتل لما وكلت إلى وحدتك أليس كذلك؟”
بدا وكأنه يقلب الأمر في رأسه ثم أومأ بخفة.
” حسنًا، أنت محق.. ”
كانت الصور تظهر جثة محترقة لم يكن من الممكن تمييز ملامحها حتى، مثل هذا النوع من الأفعال.. تبدو كضغينة قوية ضد الضحية.
” هل استطعتم تمييز صاحب الجثة؟ ”
أخرج إيروس هاتفه وفتح واحدة من الملفات.
” نعم، الجثة تنتمي لرجل في العقد السادس من عمره تقريبًا، كان يعيش وحيدًا في تلك الشقة و.. اه ها هو الاسم، اسمه آرلو إنديلور، وكان يملك متجر إلكترونيات في.. لحظة، لا يجب الإطلاع على هذه المعلومات من قبل العامة اعتذر لا أستطيع إخبارك بالمزيد يا سيدي الكاتب ”
” هل.. أنت متأكد من هويته؟ ”
حاولت التحدث بهدوء وأبطأت السرعة قليلاً فقد كان عقلي مضطربًا ولحسن الحظ أن إيروس كان منشغلاً بتفحص البيانات الأخرى ولم ينتبه إلى الأمر.
” نعم متأكد، فقد أجرينا اختبار الحمض النووي وهو يطابق خاصته من البيانات لدى المركز ”
لم أستطع تصديق ما سمعته، آرلو الذي أعرفه لا يمكن أن يحدث له شيء كهذا.
لم أسمع عنه مؤخرًا ولكن حقيقة أن يتم قتله هكذا فجأة..
يجب أن أتحقق من هذا الأمر.
أغلق إيروس الحاسوب وأخذ يتصفح هاتفه طوال الطريق إلى أن وصلنا إلى المكان المنشود.
لوهلة كان الأمر وكأنني نسيت ذوق إيدن وعاداته إذ كان المطعم الذي ذهبنا إليه مطعمًا شهيرًا يطل على المدينة، أعني أنني وددت تناول طعامي بهدوء في مكان هادئ طبيعي وأكبر خطأ اقترفته أنني وثقت بذوق إيدن في هذا الأمر.
” أظن أن هذا لا يشبهك يا سيدي الكاتب.. ”
” صدقت، ما كان يجب أن أستمع إلى إيدن، على أي حال نحن هنا بالفعل لذا لنتوقف عن التذمر، لا أريد القيادة مجددًا ”
عند دخولنا استقبلنا رجل عجوز وانحنى لدى رؤيتي.
” إنه لشرف لنا أن تقوم بزيارتنا يا سيد ويننايت أنت وضيفك، سنبذل قصارى جهدنا لخدمتكما جيدًا، أرجوكما اتبعاني سأرشدكما ”
إيدن أيها الغبي لم تنشر اسمي في الأرجاء هكذا..
” هل تأتي هنا كثيرًا يا سيدي الكاتب..؟ ”
” إن كنت قد أتيت إلى هنا من قبل هل كنت لأكون مندهشًا قبل قليل؟ ”
قدم لنا الرجل القائمة ولكن بشكل غريب كانت قائمتي تحوي أطعمة مثل:
لحم السمك المطهو مع زيت بذور القرع والأعشاب البحرية.
خبز القمح مع القرنبيط الجبلي والعسل.
عصيدة التفاح مع جذور الهندباء.
لحم الديك الرومي مع الزنجبيل وأوراق الخردل.
حساء البازلاء مع البروكلي والثوم.
سلطة الذرة مع عصير الليمون وأصداف البحر.
لماذا بحق الجحيم الأطعمة مشبوهة هكذا..؟!
طلب إيروس المعكرونة بالصلصة والجبن لذا التفت إلى الخادم العجوز.
” هل بأي فرصة قائمتي مختلفة عن خاصته؟ ”
ابتسم العجوز بطريقة عملية.
” أخبرنا السيد دريسكول أن نضع رقابة خاصة على قائمة طعامك يا سيدي وأخبرنا أن نريك القائمة حتى يعرف ما قد تفضله لأن السيد قد اختار وجبتك بالفعل ويتمنى منك أن تستمتع بوجبتك ”
حدقت فيه بوجه متصلب.
” متى فعل كل هذا..؟ لا قبل ذلك كيف عرف أنني هنا؟ ”
” هذا المطعم واحد من سلسلة المطاعم التي تنتمي إلى السيد دريسكول لذا لديه علم بكل شيء يحدث هنا يا سيدي ”
آه.. كان علي معرفة هذا منذ اللحظة التي أصر فيها إيدن على زيارتي لهذا المطعم، كيف لم أدرك ذلك مبكرًا..
كان إيدن يملك سلسلة مطاعم فاخرة، ولأنني كنت شخصًا نادرًا ما يتناول الطعام في الخارج، لم أكن قد زرت واحدًا من هذه المطاعم ولم أعرف عنها شيئًا، لكن مع ذلك أصر إيدن على توصية المطاعم المختلفة لي قائلاً أن توصيته ستكون مفيدة لي يومًا ما.
حسنًا من ناحية أخرى، بدا الأمر رائعًا حقيقة أن مثل هذا المكان الساحر ينتمي إلى صديقي.
التفت إلى العجوز.
” حسنًا أثناء ذلك أود الحصول على مشروب بارد من فضلك ”
انحنى العجوز وابتعد بينما تبعته بعيناي.
كنت على وشك بصق العصير الذي أحضره العجوز لأنه كان عصير الجزر، أعني بجدية كان عصير الجزر، لا أستطيع تصديق أنه أخبرني أن أستمتع بوجبتي بينما يحضر لي عصير الجزر!
عندما نظرت إلى إيروس كانت لديه تلك النظرة الساخرة التي تقول شيئًا مثل: أرأيت..؟ إنه مثل يوم لك ويوم عليك، كنت تنصحني بعدم تخطي وجبة الإفطار لفوائدها الصحية ثم انظر إليك الآن تجبر على تناول وجبة صحية لا تحبها.
بجدية هذا الشقي..!
” قل شيئًا وسأجعلك تدفع مقابل الوجبة ”
كنت قلق بشأن وجبتي وفكرت بتناول القليل وثم العودة إلى المنزل لتحضير شيء ما ولكن بشكل غريب كانت الوجبة جيدة مع أنها كانت منزوعة التوابل ومليئة بالزنجبيل وأشياء غريبة كثيرة لم أستطع تمييزها.
أثناء صراعي مع حسائي كان إيروس ينظر إلى هاتفه بقلق وكان هادئًا منذ دخولنا.
بدا متوترًا وقلقًا وكأنه ينتظر رسالة أو اتصال من أحدهم لكنني بالطبع لم أكن لأتطفل وأسأله عما حدث إن كان قد فضل عدم التحدث عنه بالفعل.
أخطأ الظن في كل مرة نلتقي فيها أنه لا يزال فتًا صغيرًا لكنه شاب بالغ كفاية ليتعامل مع أموره الخاصة.
رغم الانتظار، لم يتلقى إيروس الرد الذي كان ينتظره حتى أزال النادل الأطباق لإحضار التحلية، هب إيروس واقفًا فجأة وهو يجيب على هاتفه.
” لماذا تأخرت بالرد؟ هل وجدت شيئًا ما..؟ ”
انزوى إيروس إلى الزاوية بجانب الشرفة ليجيب على هاتفه، لا زال.. أمكنني سماع كل شيء تقريبًا حتى لو لم أنوي استراق السمع.
” لابد أنه رأى الحادث يومها..! من المستحيل أن يكون بالجوار ولا يعرف بما حصل وقتها… هل تحققت من كاميرات المراقبة مجددًا..؟ لابد أنه يخفي شيئًا ما… سأكون هناك قريبًا اجعله ينطق بما لديه سآتي حالاً..! ”
أغلق إيروس الهاتف وتقدم ناحيتي.
” تستطيع الذهاب يا إيروس فيبدو أنه هنالك شيء أكثر أهمية في الوقت الحالي ”
نظر إلي قليلاً وكأنه لم يتوقع تفهمي وعدم سؤالي.
لست مهتمًا بمشاكل الشباب يا هذا لا تنظر إلي هكذا..
ابتسم إيروس وهو يتنهد.
” في المرة القادمة إذًا يا سيدي الكاتب ”
” انتظر لحظة.. ”
نظر إلي إيروس وهو يمسك بهاتفه، ترددت قليلاً لأنني لم أكن متأكدًا بعد من شكوكي ولكن كان علي تحذيره على الأقل.
” كن حذرًا بشأن تلك القضية، لا أعلم لماذا ولكن.. أظن أنه ربما سيكون هنالك المزيد من الضحايا ”
لم يفهم إيروس ما عنيته تمامًا لهذا عدت صياغة حديثي.
” أعني أنها ربما تكون جزءًا من سلسلة جرائم قتل لهذا كن حذرًا أثناء التعامل مع القضية يا إيروس ولا تتهور كثيرًا..”
ستنخرط في أمور خطيرة بلا داع فقط لذا كن حذرًا من فضلك.
أنا متأكد من أنني كنت أحمل تعبيرًا معقدًا على وجهي وقتها لأن إيروس أخذ ينظر إلي بوجه متفاجئ.
” حس.. حسنًا بالطبع، سأكون حذرًا.. ”
أسرع إيروس بالرحيل بينما يتحدث على الهاتف وتركت وحدي مع أطباق الحلوى.
كان من غير العادل تناولها لوحدي وبما أنني كنت أعرف عنوان منزل إيروس فقد طلبت من النادل تغليفها وإرسالها إلى منزله.
بعد رحيل إيروس، عدت إلى المنزل مباشرة، كنت أملك سلسلة طويلة من الأمور التي كان علي الاهتمام بها، وقبل كل شيء تحدثت مع شخص أعرفه في مركز العاصمة لتقفي كل جزء من القضية السابقة وأن يبلغني بكل مستجداتها.
ما تبقى كان انتظار النتيجة وتأكيد الشكوك.
كان العجور آرلو تاجر أسلحة، حتى لو افترضت وجود العديد ممن قد ينوون الفتك بحياته إلا أن حقيقة تعرضه للقتل من قبل واحد من هؤلاء كان تقريبًا شبه مستحيل.
لم يكن أحد يعرف هويته كتاجر أسلحة وفي نظر الناس كان عجوزًا يعمل في متجر إلكترونيات فقط.
بخلافي أنا، كان من يعلم عن هويته هذه يمكن حصرهم على أصابع اليد، وثم ما يزعجني أكثر عن هذه القضية هو أسلوب القتل.
رصاصة في الجمجمة وحريق، الآن بعد التفكير في الأمر كان الأسلوب مشابهًا حقًا.
حاولت إبعاد تفكيري عن الأمر والاهتمام بأموري الأخرى.
تحدثت بعدها مع الناشر عن توقفي عن الكتابة لكنني لم أخبره عن مرضي.
أصر على أن أفكر مجددًا عوضًا عن التوقف عن الكتابة فجأة هكذا لكن في نهاية المطاف وافق على ذلك بشرط أن أحضر حدث لقاء الكاتب في الشهر القادم.
كان الرفض المتكرر محبطًا لذا وافقت على الأمر بعد أن جعلني أعده ثلاث مرات حتى لا أغير رأيي بعد فترة.
أكملت أوراق نقل الملكية إلى ابني بعد موتي وما تبقى كان اللقاء مع المحامي، كما أردت التحدث إلى إيدن أيضًا لكنني أجلت الأمر لفترة من الوقت.
علقت تقويم السنة على مكتبي حيث حددت مواعيد الفحوصات والعلاجات الكيماوية، كما حددت الأشهر الأربعة المتبقية لي.
ربما يكون الأمر فظيعًا ومخيفًا للآخرين رؤية الأيام المتبقية من حياتهم لكن وعلى عكسهم، كان تحديد الأشهر أمر يبعث الأمل في نفسي قليلاً رؤية عدد الأيام التي لا زلت أستطيع عيشها.
كنت أحاول إشغال نفسي لأن الجلوس وحدي لم يعد يحتمل لذا فعلت ما بوسعي لإبعاد تفكيري عن الأمر.
أخذت أرتب منزلي بعدها وأخرجت العديد من الأشياء التي قد تكون ذا فائدة لأحدهم أكثر مني، فكرت بالتبرع بهم لكن الأمر أخذ مني أربع أيام حتى أنتهي من منزلي كله.
كنت أستمع إلى التلفاز بينما أرتب رفوف المكتبة عندما دق جرس الباب فجأة.
من قد يكون في هذا الوقت..؟ كانت الساعة الواحدة ظهرًا ولم أكن انتظر زيارة أحدهم لذا توجهت ناحية الباب.
” من هناك؟ ”
جاء صوت هادئ من خلف الباب.
” إنها أنا لونا يا عمي أوزيل ”
فتحت الباب لأجد لونا تركب دراجة نارية، رفعت لونا الخوذة وناولتني حقيبة قماشية ثقيلة.
” مرحبًا يا عمي! لقد كلفني أبي بإحضار وجبتك اليوم أيضًا، أخبرني أنك لن تكون قد تناولت الغداء بالتأكيد ”
تنهدت وأنا أمسك بالحقيبة.
” إنه اليوم الرابع بالفعل، ألا يتعب إيدن من كل هذا؟ أخبرته أنني سأتناول طعامي جيدًا.. ”
” قام أبي خصيصًا بطهو هذه الوجبة مع أمي اليوم، قال أنها مفيدة لصحتك لذا عليك تناولها كلها، هنالك دواء عشبي بالداخل أيضًا قالت أمي أنه عليك تناوله بعد فترة قصيرة من الوجبة وتناول أدويتك بعدها، كما أن ليلي أضافت بعض الحلوى في حال وجدت الدواء العشبي مرًا يا عمي ”
فتحت الحقيبة قليلاً ووجدت حلوى التوت والعنب التي وضعتها ليلي، ابنة إيدن الصغرى.
ابتسمت وأنا أمسك بالحلوى.
” شكرًا لك يا لونا الصغيرة، أتعبتك معي، كان عليك القيادة كل هذا الطريق إلى هنا ”
” لهذا أخبرك أبي أن تنتقل إلى العيش معنا في هذه الفترة يا عمي، أؤكد لك ستستمتع كثيرًا فليلي تحب اللعب معك أيضًا ”
بعد معرفة والدة إيدن عن مرضي، حثت إيدن على أن يقنعني بالانتقال للعيش في منزله حتى تعذبني والدته بالعلاجات العشبية والأدوية المرة.
بالطبع رفضت!
” الكبار يحبون الأماكن التي ينتمون إليها يا لونا، تلك التي تحوي ذكريات من نحبهم. ”
كانت تحدق بي بصمت.
” اوه كدت أن أنسى، لقد خبزت لك كعكة الليمون التي تحبينها، انتظري قليلاً سأحضرها ”
” ماذا؟ أحقًا ما تقول؟ شكرًا لك يا عمي! ”
كانت لونا ابنة إيدن الكبرى ذات العشرين عامًا، أما ليلي ابنة إيدن الصغرى ذات العشر سنوات فصدقني يا بني هي ابنته بالاسم فقط وإلا فهي ابنتي وقد أقرت بذلك بالفعل عندما لعبت دور الفارس في إحدى ألعابها.
بعد رحيل لونا فتحت الحقيبة القماشية التي أحضرتها.
” ماذا مع كمية الأطباق الجانبية هذه..؟ هل أخطأ بيني وبين بقرة.. ”
منذ أن علم إيدن عن مرضي استمر في البحث عن أطعمة مغذية غريبة مليئة بالمواد الغذائية وإرسالها إلي، أصر على أن يعتني بوجباتي بنفسه جالبًا أعذارًا مثل: سأصادر قهوتك فهي مضرة لرئتيك، يمكنك استخدام شاي الزنجبيل فهو جيد لصحتك اوه يمكنك إضافة الليمون أيضًا، وثم الفواكه جيدة ومفيدة عليك الإكثار منها، وضعت البعض منها في ثلاجتك بالفعل، ماذا عن عصير الجزر؟ تقول أمي أنه مفيد للرئة، ماذا لو أضفت إليه جذور الهندباء..؟ مع أوراق النعناع والكثير من الزنجبيل..؟ أعشاب البحر جيدة أيضًا ماذا عن هذا وذاك وإلى آخره.
كان يبدو سعيدًا بإطعامي كل ذلك وكأنني عانيت من المجاعة طوال حياتي.
لم يسعني سوى الضحك.
” فقط كيف وجد شخص مثلي صديق مثله.. ”
تناولت شريحة تفاح وأكملت رص الكتب في الصندوق.
فجأة كانت هنالك موسيقى افتتاحية رسمية، تلك الخاصة بقناة الأخبار.
استمعت إليها قليلاً وكنت على وشك إغلاق التلفاز عندما تحدث المذيع عن خبر آخر.
” سأنقل الآن أحدث إنجازات رجل الظل أو “بطل العدالة” كما يناديه العامة، إذ ألقت الشرطة صباح اليوم القبض على شخص آخر وجد مكبلاً أمام مقر شرطة العاصمة مع ملفات تحوي أدلة على الإختلاس، غسيل الأموال وأنشطة غير قانونية أخرى، وهذا الشخص لم يكن أحدًا سوى مدير المالية لشركة ويلر، أنكر الرئيس معرفته بهذا الأمر لذا فالوضع مضطرب داخل الشركة في الوقت الحالي. ”
” أيضًا ستقام الجلسة القضائية لقضية اعتداء طلاب جامعة الفنون الوطنية يوم الاثنين المقبل، بسبب تعذر الضحية عن القدوم في الجلسة السابقة بسبب حالته الجسدية كان قد تم تأجيل الحكم حتى الجلسة المقبلة وستكون جلسة قضائية عامة.
ما يثير التساؤل في الأمر أن المعتدي في هذه القضية هو ابن رئيس شركة ويلر نفسها ”
” عرض رئيس شركة ويلر دفع مبلغ مالي كبير ودفع تكاليف علاج الضحية لكن عائلة الضحية رفضوا الأمر، فكما تفيد الأقوال يبدو أن الضحية لا يزال لم يستيقظ بعد من الغيبوبة لذا تصر عائلة الضحية على أن يتلقى المعتدي عقابه بدلاً من حل النزاع بالتعويض المالي. ”
حسنًا، وقتها كنت قد حصلت على فكرة عن الأمر الذي كان يقلق إيروس في ذلك الوقت، وثم إن لم تخني ذاكرتي بشأن شركة ويلر هذه، كنت أشعر بشعور مزعج من ذلك العجوز بالفعل، بالتفكير أن ابنه متورط في قضية اعتداء أظن أنه سيواجه وقتًا عصيبًا في تنفيذ مشاريعه العملية.
في تلك اللحظة خطرت لي فكرة من المبالغة تسميتها بفكرة استغلالية شريرة، رغم المعلومات التي كنت أستطيع الحصول عليها، كانت قدرتي في التدخل في القضية شبه معدومة وقد كنت أعرف شخصًا مناسبًا جدًا للاستفادة منه في مثل هذا الموقف.
الآن كان علي فقط أن أبحث عن عذر جيد لمقابلة إيروس، حقيقة أنه اقتحم منزلي مرتين بعد أول لقاء لنا وحقيقة عجزي عن فعل المثل له كان الأمر مزعجًا قليلاً.
كان من الأفضل انتظار اقتحام إيروس لمنزلي للمرة الثالثة أو لقائه مصادفة في مكان ما لكن لن يكون للأمر جدوى إن تأخر الوقت، فكرت قليلاً ثم تركت الأمر، إن كتب لي أن أقابله فسأقابله وإن لم يكن كذلك.. فسأقتحم منزله أنا الآخر، سأموت قريبًا على أي حال لذا لن أندم طويلاً على وقاحة أخلاقي.
ملاحظة: لا تكن متناقضًا مثلي يا بني.
بعد تناول الغداء، حزمت صندوقين بالكتب ووضعتهما في المقعد الخلفي من سيارتي، ثم كان هنالك شخص علي مقابلته بأمر يتعلق بجريمة القتل السابقة.
ماري هاسبيل، عميلة سرية سابقة لدى الشرطة وواحدة من معارفي القدامى.