في الصحراء - 3
بعد تلك الليله ، استيقظت ثرى لِترى أمامها فيروز نائمةٌ وهي جالسه ، مُخفِضةً رأسها لتستطيع التنفس
بدأت ثرى هي الأخرى بالتفكير ..
ثرى لماذا هي معي الآن ؟ وماذا حصل البارحه ؟ لا استطيعُ تذكر شيء !)
نظرت ثرى إلى ذراعها نتيجةَ قتالها البارحه ، فتذكرت كل ماحصل .. دُقَّه وجُلَّه .. راودت ثرى نفسُها بالاسئله ، كمثلا ..
ثرى لماذا مشيت بها إلى هنا ؟ كيف وثَقَت بي ؟ ماذا سيحصل لاحقا ؟ انا أعلم بقرارةِ نفسي أن هنالك شيءٌ سيءٌ سيحصل .. يجب أن انقذها بأسرع وقت ممكن ، قبل أن .. تسيطر عليَّ الوساوس !)
قامت ثرى من مقامها بسهولةٍ وبدون مساعده .. كما توقعت من ذاتها ، ولم تتوقعهُ فيروز
فيروز : إستطعتِ النهوض بذاتكِ إذا ؟
ثرى : أنا دائما انهض بذاتي .
فيروز : كما تريدين ، ولكن لا تنسِ اننا ذاهبتين للمدينةِ اليوم .
ثرى : المدينه !
فيروز : نعم المدينه ! يبدو أن ذكرياتكِ لم تُسترجع من البارحه
ثرى : (يا إلهي .. ماذا افعل الآن !)
نظرت ثرى إلى الشيء الوحيد الظاهرِ منها ، عينيها الحادتين في محاولة إظهارِ تلك النظرات البريئه ، تعلم ثرى ماذا يوجد في تلك المدينه ، وتعلم ماذا يُضغنون في أنفسِهِم للبشر ، وتعلم أنهما لن يخرجا من هناك من دون بعض المصائب ! فماذا سيكون ردها ؟
ثرى : أصغي جيدا ..أعلم ان هنالكَ كمٌ من المصائب سوف يحصل ، لست مسؤولة عمَّ سوف يحصل .
فيروز : لستِ مسؤوله ، هل اطمأنتي ؟
ثرى : دعينا نذهب وحسب
وصلت الإثنتين إلى المدينه بعد مدةٍ ليست بطويله ، لتتفاجئ فيروز لما ترى !
فيروز : لم اعتقد انني سأرى هذه الأشياء في الواقع !
ثرى : ليس واقعكِ على ايِّ حال ، اتبعيني ولا تتبعي أحدًا غيري ، ان علموا ماذا تكونين … انتِ تعلمين ماذا سيحصل .
فيروز : سأمسك يدكِ وحسب ، لن افلتها حتى نخرج .
امسكت فيروز يدَ ثرى لتشعر بشيءٍ غريب .. وكأنه ..
ثرى ماللذي اشعر به ؟ وكأنها .. مشاعر ؟ اشعر بها فقط عندما تمسك بيدي )!
فيروز : هل انتِ بخير ؟ هل آذيتكِ !
ثرى : ماذا تكونين يا فيروز !
فيروز : ماذا اكون ؟
ثرى : دعينا نكمل وحسب ..
فيروز : ألا بأس بذلك ؟
ثرى : لا بأس ، ليس وكأني سأموت من الصداع …
بعد طريقٍ طويل ، وصلت فيروز وثرى بوابة المدينه .
فيروز : أخيرًا ! حمدًا للإله على وصولنا !
ثرى : مع الأسف يا فيروز ، هذه الرحلة قد بدأت للتو .. لا تفارقيني حتى نخرج من هذه المدينه أهذا مفهوم ؟
فيروز : مفهوم سيدتي !
دخلت ثرى تَتبعُها فيروز إلى المدينه ، إنبهار فيروز بطبيعةِ الحال جعلَتها تلتهي وثرى تُريد ان تنهي هذه المهمه بسرعةٍ وحسب ، سرعان استوقفت فيروز قطعةٌ في السوقِ عند محل عجوزٍ غريبه .
فيروز : ثرى .. انظري إلى هذه القِلاده ..
العجوز : ياله من ذوقٍ عزيزتي .. أخذتُها خصيصًا من عالمِ البشر !
فيروز : عالم البشر ؟
العجوز : محالٌ ألّا تعلمي من هم البشر !
ثرى : تعلم ، لا تتحدثي في هذه الأمور عند العامةِ عزيزتي .
فيروز : لا يهمني ذلك .. انها تشبهُ قلادةَ امي !
ثرى : امُّكِ ؟
فيروز : بكم تَبِيعِينِيها ؟
العجوز : عشرة آلاف قطعة ذهبيه !
فيروز : عشرة آلاف ماذا !
ثرى : فيروز دعينا نرحل !
أمسَكَت ثرى يد فيروز مرَّة أُخرى وبدأ بالركض خلف السوق وفيروز لا لماذا ..
فيروز : مابكِ ! ثرى !
ثرى : مابي ؟
فيروز : وجهكِ إحمَرْ ! واصبحتِ ..
ثرى : ذلك ترابٌ دَخَلَ عيني اثناء الركض .. لا يهم ، دعي-
فيروز : وجهكِ إحمَرَّ منذ أن كُنَّا عند البائعةِ العجوز ، ليس للركضِ علاقه !
ثرى : ماللذي يُهمُّكِ يا فيروز !.. انتِ .. تُذَكِّرِيننَي بشخص ما .. لكنَّني لا اتذكره ..
فيروز : لا تَتَذَكَّرِينه ؟
ثرى : تُشبِهكِ .. ترتدي نقابا يُشبِه اللذي ترتدينه .. وتلك الأعيُن .. كأنكِ هي ..
فيروز : أهي امُّكِ ؟
ثرى : ليست امي .. “يقال” ان امي توفيت وانا في الخامِسةِ من عُمُري .. فعلتُ محظورًا وذهبتُ إلى عالم البشر فقط لأُقابِلَها مَن هي ؟ لماذا ذهبت ؟ لا أتَذكّر ..
أمسَكَت فيروز يد ثرى ، وأكملت الحديث ..
فيروز : ألا تتذكرين ماقالت لكِ ؟ محالًا ألّا تتحدثان !
ثرى : كان ذلك في الخامسةِ عشرةَ ، مع أنّنِي كنت مختبئةً ولم اخطط للحديث معها إلا انها رأتني ، ثم قالت “سأُعيدُكِ يومًا ما .. سأدعي كُل يومٍ ولن ايأس من ذلك .. تذكريني لا تنسي انني …” انني .. ونسيت ماذا قالت بعد ذلك ..
حضنت فيروزَ ثرى .. اثناءَ ذرفِ تِلكَ الدموع ..
ثرى : انتِ هدية من الله لي .. لستِ غريبةً يافيروز ..انتِ لستِ غريبه !
بدأ سكونٌ مريح بعد جملةِ ثرى تِلك … إلى أن مرَّ بعض الوقت حتى قيامهما والمشي إلى أقرب نُزُل ..
ثرى : لا تُخبري احدًا عمَّا قلت اليوم ..
فيروز : ومن سأُخبِر ؟.. سِرُّك سيصحبني إلى قبري .
ثرى : فيروز ..
فيروز : مابكِ ؟
ثرى : شكرًا لكِ ، على كُل شيء .
فيروز : ماذا فعلتُ إلى الآن ؟
ثرى : ذلِك يَعني ليَ الكثير .
ولأوَّل مره .. رأت فيروز ثرى تبتَسِمُ .. ردت مع إبتسامةٍ هي كذلك ..
فيروز : في أيِّ حين .
اثناء البحث عن نُزُلٍ مُستَضيف ، في ثُلُثِ الليل الاخير .. أخيرًا عثرت ثرى على نُزُل .. وكان ذلِك غريبًا بالنسبةِ لثرى ، جميع الأماكن المجاورةِ مشغولة وهذا هو المكان الوحيد اللذي قَبِلَ بِهِما وهي المرَّةُ الأولى لها بِه ..
ثرى : الليلةُ بعشرةٍ فضِّيه ؟ ذلك غريبٌ بالنسبةِ للمكان .
موظفةُ الإستِقبال : إنهُ عرض اليوم فقط ، وسينتهي بعد ثلاثِ ساعات ، اسرعي بالحصول عليه !
ثرى : لا نملكُ خيارًا آخر في الأساس .. تفضلي .
الإستقبال : نتمنى ليلةً مريحه .
ثرى : هذا مريب ، فيروز ، مابكِ ؟
فيروز : لم ارتَح لهذا المكان ..
ثرى : من أيِّ ناحيه ؟
فيروز : كُل النواحي ! واخصُّ موظفةَ الإستقبالِ في ذلك .. تشبه شخصا يقشعِرُّ مِنهُ بدني .. ولعلها هو ! ، سيحصل شيءٌ سيءٌ هنا ياثرى !
ثرى : دعينا نرحل إذا ، لا بأس في ذلك .
فيروز : كيفَ سنتدبر الأمرَ خارِجا ؟ لا نملكُ مكانًا نلجأُ إليه ..
ثرى : سأتدبرُ الامر ، دعيني استعيدُ مادفعناه وحسب .
فيروز : لا .. دعينا نكمل ليلةً واحدةً هنا ، ذلك أهون لنا من الخارج ..
ثرى : كما تريدين .. سأبقى مستيقظةً لعدم حصول أيِّ شيءٍ غيرِ مرغوبٍ به .
فيروز : ذلِك يُشعِرُني بالرَّاحه ..
ابتسمت ثرى لثاني مرَّة كذلك ..
فيروز : ما أجمَلَهَا مِن ابتِسامه ..
ثرى : بِمَن تُذَكِّرُكِ الآن ؟
فيروز : ستصبح بإسمكِ .. تشبه ابتسامةَ والدي كذلك .. رَحِمهُ الله .. توفِّي وهو يؤدي الواجب .. شهيدا ..
ثرى : إذا تملكين اُمكِ فقط ؟
فيروز : كان لديَّ اختٌ كبرى .. لكنها فُقِدَت في الصحراءِ قبلَ خمسِ سنوات ، كانت اُمي تذهبُ للوادي اللذي اختفَت به وتبقى هُناك حتى تمسي .. وتقول “محال ان تذهب بإرادتِها من دونِ حُضن منّي !” بعد ذلك لم تعد لذلك الوادي مجددا .. حتى اصرَّت العائلة على الذهاب ، ولا سيما أنها تَرَكت جميع تجمعاتِهِم بعد تِلك الحادثه .. ثم تشاجرت مع واحدةٍ منهم وركضت إلى مغاره .. وحصل ماحصل .
ثرى : اختٌ كُبرى إذا ؟ ، كُنتُ وحيدةَ أبي .. حتى اختفى هو كذلك .. يقال انهم وجدوا جُثَّتَه في وسط المدينه .. اليدُ اليمين باليسار واليسار باليمين ، الرأس في مدخنةٍ أحدِهِم ، وهكذا ..
فيروز : ألم تفترضوا انهُ قُتِل !
ثرى : بلى ، لكن من ذا اللذي سيستمع ؟
اطالتا الحديث حتى اتى ثلث الليلِ الاخير ..بدأت فيروز بالتثاؤب ثم غلبها النعاس .. بقيَت ثرى مُمسِكَةً سِلاحها تأهُبا ، بقيَت مستيقظةً حتى الفجرِ حتى غَلَبَها النعاس هي الأُخرى ، ما إن اغمَضَت عينَيها إلَّا أن دخل خمسةٌ بأسلحتِهِم ! سُرعان ما ركضت ثرى نحو فيروز طُعِنَت ساقُها ، قَاتَلتهم جميعا ثُم جلست على سرير فيروز .. فجأةً سُحِبَت ثرى للاسفل ، وسحبت فيروز للأعلى ، والآن بدَأت الأحداثُ بالإشتعال