ما وراء القصة - 0
ما وراء القِصة!
في العصرِ المتقدم حيثُ الجميع مُنشغِلٌ بالتكنولوجيا، الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسب في الأماكن العامة، كان ذلك الروتين مُعتادًا في تِلك المدينة الكبيرة المُزدَحمة، وفي أحد الأيام رأيتُ منشورًا قديمًا جدًا يعود لعشرِ سنواتٍ مضت!
في موقِعٍ يُسمى “غرائب الدُنيا” كان يحتوي ذلك المنشور على قِصةٍ تتحدثُ عن ظِلالٍ مجهولة، ليس لها شكلٌ محدد، تمشي ولكن ليس لديها قدمان! لا وجه لها ولكنها تنظرُ إليك، وتُخاطِبُك في عقلك الباطن! ثم تهوي بكَ نَحَوَ عالمٍ لا رجعةَ منه!
انتابتني القشعريرة من هذه القصة، ولكن في المقابل لم تكن مقنعةً لي، كانت تتحدث عن ظلٍ ليس له شكل ويمشي بدونِ قدمين! فربما رأى ظِله فقط ولكن من الخوف اعتقد ذلك! وكيف ينظر إليه وهو بدون وجه؟ جميعُها سخافات فقط، لا أعلم من الأحمق الذي سيُصدق هذا الكلام!
بدأت أتصفح في الموقع أكثر وأُراقِب تِلك السخافات المُثيرةِ للضحك، حتى رأيت منشورًا آخر يحتوي نفس الإشاعة لكن بِقصة مُراهقٍ قد اختفى عن الوجود! وبعد موته أُصيبت عائلته بالجنون وغادروا المدينة بشكلٍ نهائي! كانت تِلك القصة تروي تفاصيلَ حدثت لذلك المراهق في المبنى، لكن الذي حيرني هو أنه قد دخل وحده فمن الذي كتب هذه التفاصيل المُفصلة؟
انتابني الفضول والريبة حول هذه القصة، فحَفظتُ الموقع وعُدتُ للمنزل لأُجهِزَ عتادي وأنطلق لأرى غرائب الدنيا في ذلك المبنى المهجور…
حملت حقيبتي ووضعتُ فيها مِصباحين، وعصا، وعُدة مفاتيح، وسكينًا أستخدمه عِند الحاجة، كذلك ربطتُ هاتفي بهاتف أخي في المنزل ليُحدِدَ موقعي من مكانه، وهكذا سأكشِفُ الخدعة التي تختبئ خلف مُسمى الغرائب.
رَكِبتُ سيارتي وتوجهت نحو ذلك الموقع، كانت مدةُ تِلك الرحلة ساعتين بسبب زِحامِ المدينة، وعِندما وصلتُ له كان قد حلّ الليل لذا كان الجو مُعتِمًا يُنذِرُ بالخطر والرعب، بالنسبةِ لي لا أؤمن بشيءٍ كالأشباح ولا أُصدقها، لذلك فأنا موقن أن بشرًا خلف ذلك!
– “شعَّ ضوءٌ أحمر قِرمزي من بدرٍ ليس في وقته على المبنى”
كان المبنى قديمًا وشِبهَ منهار، لا شيء حوله إلا الركام والتراب، لكني قد لاحظتُ آثارَ أقدام! ابتسمتُ ودخلت إلى المبنى وصرختُ عاليًا:
“أنت! فلتخرج الآن.”
لم أجد أي أثرٍ داخل المبنى على وجودِ حياة! غريبٌ مريب…
– “ما ذاك الضوء القرمزي؟”
– “أهوَ خدعةٌ من مُتلاعبٍ رأى نفسه ساحرًا؟!”
مبنى فارغٌ مخيف، كُل حركةٍ مني تُسمع بصوتٍ عالٍ، صوتُ الهواء عبر النوافذِ حقًا مَهيب!
فجأةً سمِعتُ صوت خطواتِ أقدام في الطابق العلوي، ركضتُ نحو الصوت ولكن لم يكن هُنالك أحد! نظرتُ خلفي رأيتُ كائنًا عملاقًا ضبابيًا يبدو كالظل!!
شهِقتُ شهقةً كبيرة، وكأن قلبي قد توقف عن النبض، ونسيت كيف أزفِرُ وأعود لأكون طبيعيًا، وهذا ما أدى إلى اِختلالِ توازني وسقطت على الأرض… بعدها تلاشى كفُتاتٍ نفضهُ الهواء! عِندها تذكرت تِلك القصة… المُراهق الذي دخل للمبنى، سَمِعَ وقع أقدامٍ لظلٍ لا أقدام له! كذلك وجهه… لم يكن لديه وجه!
– “كيف؟!!” “أيُعقل أن تكون تِلك التفاهات حقيقة؟! ما الذي ينتظرني؟”
فجأةً سمعتُ صوتًا أجشًا يتردد ويُنادي: “يا غُلام! أما تزالُ في هذا المكان؟ أيُها الشُجاع، قادتك تِلك الأقدام لتكون ضيفًا في عالمي”
كان الصوتُ مُدويًا ويؤلم الرأس، وكأنه يتكلم داخل عقلي ويخرجُ من أُذني ليُشكلَ صدى في المبنى بأكمله! اجتاحني دوارٌ فظيع، لم أعد أفهمُ ما حولي! ولم أرَ شيئًا بعيني! ظُلمةٌ حالكة، أفتحُ عيني لكني لا أرى أي شيء!! ماذا حدث لعيني؟ آه
كان الألم يزيد كلما كرر كلامه “يا غُلام! أما تزالُ في هذا المكان؟”
ثم خف الألم وتمكنتُ أن أرى بعيني، وقبلَ أن أستوعب ما حدث رأيت الظل يَقِفُ أمامي ويمشي نحوي ببطء! تملكني الخوف عندما ركزتُ في وجهه الذي كان فارِغًا تمامًا، وبطريقةٍ ما، كان لدي شعورٌ أن على وجهِهِ الفارغ عينانِ قاتمةُ السواد ذاتُ حِدةٍ مُخيفة ليست من هذا العالم!
– لا، إنه ليس مجرد شعور، بل كان هذا يظهرُ في عقلي قبل عيني… يُحرك فمه ويتحدث معي!!
خائف.. أنا حقًا خائف! لم أعد أُفكر في أي شيء فقد أسرَ الرعبُ جسدي، قيّدني وجمّدني، لم أستطع التحرك… أرتَجِفُ وأتصببُ عرقًا في ذاتِ الوقت! عقلي المُدعي توقف ولم يتحرك… نسيتُ كيف يعمل أصلًا!
ثم تردد ذات الصوت مُجددًا: “يا غُلام! هيا فلتُمسك بيدي لِنذهبَ لعالمي، هيا”
حملتُ هاتفي بيدٍ مُرتجفةٍ خائفة لكنه كان معزول الإشارة! “آه ما هذا المكان!!”
ثم أصبح أمامي مُباشرةً قرب وجهه وبانت ابتسامتهُ العريضةُ الُمخيفة، وقال: “يا غُلام! هل تخاف؟”
لم أتمكن من الكلام، ثم سمعتُ صوتَ منشارٍ كهربائي يَصدحُ في المبنى بأكمله ممزوجًا بأصواتِ صُراخٍ تتعالى بشكلٍ مؤلم! صُراخٌ يتألم ويتأوه من عذابٍ لا يُحتمل، يُقشعر البدن بِحدةِ ألمٍ مُفجعٍ مُخيف ويقبض على أشجع القلوب ويسحبها نحو هاويته… وتِلك الهاوية هي الهلاك!
تمتمتُ بصوتٍ خائفٍ مُرتجف لم يستطع نطق الحروفِ بِشكلٍ صحيح “م.. ما هذا ال..صو..ت؟!”
زادت ابتسامته واتسعت بِخبث ونظر لي نظرةَ مُفترسٍ يرى فريسته ثم قال: “لا يُمكن لبشري أن يدخُل عالمنا هكذا.. لذا”
توقفَ عن الكلام، ثم أحسستُ بيدٍ تتحسس قدمي ويدي…
– ولكنه لا يملِكُ أطراف!!
أُحِسُ بتِلك الأطرافِ الباردة التي تلمسني ولكني لا أرى شيئًا! يُمسكُ بِقدمي ويضغط عليها… كانت باردة جدًا، حتى أحسستُ بِبرودتها تخترِقُ عِظامي وتَقبِضُ عليها بقوة!
– “آه جسدي يرتجف… لا لا لا…”
أَمسكَ بِقدمي بإحكام وسحبني نحو الجِدار الذي أمامي، صرختُ بصوتٍ عالٍ: “اتركني! لن أتبع فضولي بعد الآن، أرجوك فقط…”
صوت ضَحِكاتٍ ملأت المكان بنفسِ ذلك الصوتِ المخيف: “بعد أن تبِعتَ فضولك إلى هنا فلن تخرُجَ حيًا، ألا تعلم ماذا حدث للغُلام الذي سبقك مُنذ سنوات، أليس كذلك؟”
قٌلت “إذًا أنت…”
أجابني “أجل، أنا من كتبتُ تِلك القصة وسجلت كل شيء حدث معه، ولكني لم أذكر قطع الأطراف، لأني أحتاج جسدَ بشرٍ لألتهمه وأُرضيَ معدتي الجائعة! هه هه هه”
صرختُ بصوتٍ عالٍ “لااا أرجوك!!”
يَتمُ سحبي من لا شيء! رُعبٌ شديد!! نَدمتُ على فضولي وشجاعتي التي ظهرت في الوقتِ الخطأ…
قاطع الصوتُ المخيف أفكاري قائلًا: “لا، ظهرت لأني أردتُ ذلك، لأني اشتهيتُ لحم بشريٍ طري، أنتَ يا من ابتعلتَ الطعم المُلقى”
قُلتُ ذلك في عقلي فكيف سَمعني!! آه أنا خائفٌ بشدة، يدي ترتعش، لا لا أعلم… ما الذي يرتجف؟ هذا الشعور…
– أُمنيتي أن يأتي أحدٌ لنجدتي… أي أحد… رجاءً أحدٌ ما! أنا خائف…
يَتمُ سحبي إلى صوت المنشار! لا أستطيع سحب قدمي وكأنها مربوطةٌ بإحكام! بقيت على هذه الحال حتى وصلتُ إلى غرفةٍ لا نورَ فيها، ظلامٌ فقط، بشكلٍ عجيب تمكنت من سحبِ قدمي فنهضتُ بسرعةٍ لأهرب ولكني لم أعد أرى أي شيءٍ في هذا المكان! فجأة، أُشعِلت الشموع في وقتٍ واحد فركضتُ نحو الباب لأخرج ولكنه أُغلِقَ أمام ناظري!
التفتُّ خلفي لأرى أطرافًا مقطوعة… أطرافٌ بشرية! مرميةٌ في كل مكان، وبُقع الدماء الحمراء مطبوعةٌ على الجُدران! آثارُ كفِ بشريٍ يطرُق على الجدار، يضغطُ عليه بقوةٍ ويأس، يتراجع خائفًا… مثلي الآن…
هذا المكان هو نهايتي حتما، صوتُ الضَحِكات التي تُداهِمُ عقلي وتُخيف قلبي وتَضغطُ على جسدي… آه خائف
لا أعلم إذا كان هذا الشعور هو حقًا خوف! شيءٌ لا أعلم ما هو، تملك جسدي، لا أعرف ما أفعل! جسدي يرتجف ولا يستطيع الحراك، أشعرُ بقلبي ينبضُ في كل مكان وكأنه محجوزٌ داخلي ولا يستطيع الهرب… تمامًا مثلي، صيدٌ وقعَ في مصيدةِ صائده!
-“لا أعلم ماذا أفعل!!”
ثم انطفأت الشموعُ بتزامنٍ وبوقتٍ مُتتابع، وبعدها سُحِبت أطرافي في اتجاهاتٍ مختلفة، صرختُ بخوف: “لا لا أرجوك، حقًا أنا آسف…”
شعرتُ بهواءٍ يتحركُ من خلفي بِخفة، ثم هُمِسَ في أُذني: “يا غُلام، فات الأوان، والآن لتغوصَ في عالمي”
لا لا لا… صوت المنشار يقترب، لااا أطرافي لا تتحرك! شيءٌ رهيبٌ مخيف…
آه آه…
-“أي أحد… فلتسمع رجائي…”
.
.
.
.
.
يبدوا أنك قد وقعت في الفخ، أليس كذلك؟! أتاهَ عقلُك فيما قرأت؟
هذا متوقع، لأن من كَتَبَ ذلك ليس ذات الشخص، لأنه قد كان لحمًا طريًا استمتعتُ به حقًا.
سأعتَرفُ لك أنت يامن تقرأ الآن… أنت فقط!
ما كُتِبَ سابقًا ليس وهمًا أو خيالًا لشخصٍ يعيشُ حالِمًا؛ بل كُتِبَ من خارجِ هذا العالم الذي تَعيشُ فيه، أنتَ قابِعٌ في غرفتكَ تقرأ قصةً كتبها كيان من عالمٍ تعتقِدُ أنه مُستحيلُ الوجود، كيانٌ يُراقِبكَ من تِلك الزاويةِ المُظلمةِ على يسارك!
كما قلت لك، ليس خيالًا وليس حقيقةً أيضًا، فمن تظن أنه كتبه ليس صحيحًا، والحقيقة هي هذا الذي جرى بيني وبين ذلك الصَيد الذي ابتلع طُعمي، وسار بقدميه نحو قصري، وأضحى وجبتي اللذيذة.
استمتعتُ بِصُراخهِ المؤلمِ اليائس، كان يرجوني أن أسمح له أن يخرجَ من هذا المكانِ حيًا، وكان يعِدُني ألا يتبع فضولَهُ مرةً أخرى… ها ها ها كم هذا مضحك، أنينه كان ذا نغمٍ جميل لم أسمعه من قبل، آه لكنك لم ترى عينيه الباكية التي تحولت للون الأحمر، كادَ الدمُ يخرجُ من عينيه، ها ها كم هذا مُمتع…
ماذا أقول أيضًا؟ كان جمالًا يُرى في البشرِ فحسب، لا بل تُحفةً أصنعُها بِبضعِ كلماتٍ فقط!
لم ترهُ وهو يدخل بكلِ حماسٍ وثقة قائلًا أنه لا يهاب الأشباح، ولكن بِمجرد أن لَعِبتُ معه قليلًا انهارت ثقته المُزيفة بسرعة، ولكن أفكاره الأخيرة هي أكثرُ ما أضحكني، كان يُفكرُ في أُناسٍ آخرينَ غيره! لم يُفكر في نفسه بل في البقية! “أمي، أبي، أخي… لا تنسوا اسمي مالار” لا أستطيع المُتابعة، سأنفَجِرُ من الضَحك… لم أتوقع أن يُمتعني كهذا أبدًا!
عجبًا لأمرِ البشر!
مخلوقاتٌ ضعيفةٌ ذاتَ فضولٍ لا ينتهي، دخل بكلٍ بأسٍ وثقة ولم يُبالي بإشارتي القرمزية التي تُرحب به، لا بل اعتقد أنها جزء من سحر ساحر!! لكن يالَ الأسف فقد توقف قلبه في غرفتي المُفضلة ومع مداعبتي له بمنشارٍ كهربائي! كم هذا ممتع.
خطى الخطوة الأولى في المبنى وكأنه يقول تعال لمواجهتي، وحين استجبتُ لرغبته صارَ أرنبًا مُرتجفًا! حادثتهُ بطريقةٍ لم يعرفها قبلًا فتوقف عقله عن العملِ تمامًا! كدُميةٍ تتحرك لتُسلّيني.
وفي الطابق الثاني حيثُ سحبته من قدمه لِأُعرفه على القصر توقف لِسانه عن الكلام وأخذ يرجوني بداخله! بحقٍ، لقد ظننت أني قطعتُ لِسانه بدونِ أن أعلم!
أتُريد معرفة كيف قُطعت أطرفة؟
سار المنشار ذو الأسنانِ الشائكة التي تتحركُ بِجنون نحو قدمهِ اليُمنى واخترقها بكل سهولةٍ ويسر، ثم انسابت دِماؤه ببطءٍ على الأرض قطرةً قطرة حتى صارت بركة دمٍ مُتراكمة ذات لونين متناغمين، وعندها أضحى جثةً هامدةً لا تتحرك.
“كم أحببتك يا صَيديَ المُمتع…”
“فلتعش في عالمك الجديد كروحٍ هائمةٍ تُراقِبُ القصر.”
ألا تزال تعتقد أن كلامي مَحض هُراء؟
لذا تعال… وجرب حظكَ في إيجادي.
تعال يا غُلامي العزيز، كم أتوق لك، لتزورني في قصري الأسود الجميل، ونستمتِعَ سويًا في غرفتي الجميلة المُرقعة باللون الاحمرِ القرمزي، ونستَمِعَ إلى موسيقى تُرِجفُ الروح على أنغامها بِرُقِيٍ لا تراهُ في عالمك، تعال يا عزيزي ولا تقلق، فسيكون منزلي في خِدمتك ولِرِعاية صِحةِ أطرافكَ الثمينة التي لا تُقدر بأثمانِ الدُنيا كلها.
هذا ليس مجردَ كلامٍ يقرأ أو حروفٍ تُكتب، بل هي دعوةٌ مني أنا لك لأني أحببتُ أن أتعرف عليك يا من أخذتَ تفكيري…
فحقيقةً سنستمتِعُ سويةً، لن تندم.
هذهِ الرسالة بمُجرد أن تصل إليك، يعني ذلك أنك ستحظى بمعاملةٍ لا تحظى بها في حياتِكَ المُمِلةِ هذه.
فهيا تعال إلي يا غُلامي العزيز…
إلى عنواني التالي (Shady Grey10ne)
سأكون في الانتظار….
فما وراءَ هذهِ القصةِ يكونُ أنا…
الكيان الذي يُحبك أكثرَ من كل شيء.
الكاتبة: شهد الخراز (وردة، شيان).
المدققة: ياسمينة.