موج الموت - 1
موج الموت، الفصل الأول: ” اسمكِ جثة. ”
” والآن، أعلنكما قاتلًا ومقتولة ”
” بإمكانِكَ قتلها ”
علا صوت تصفيق الحاضرين، وتعالت الهتافات من كل ناحية وتناثرت الورود الحمراء على ذانَيْكَ الواقفين في منتصف الدائرة.
” مبارك يا صاح! ”
” قتلًا هنيئًا!”
“دمويّة سعيدة! ”
” تمتع بقتلها يا رجل!! ”
كان ينظر بشرودٍ أمامه.. بينما يحدّث نفسه:
أريد البقاء في الدائرة… ولا أريد النظر للعروس…
مع أن الأمر يبدو سخيفًا… فأنا الذي من المفترض أن يكون القاتل… أنا… قاتل المجرمين المشهور… جاك السفاح للقرن الواحد والعشرين… الملقب بــ ” موت “…من يقتل المجرمين بدمٍ بارد بعد أن يموتوا منه رعبًا… لماذا لا أشعر برغبتي في القتل…؟… مع أن القاضي أعلن لي توًّا أنها فريستي ويحق لي قتلها!!!..
……
مجددًا هذا الشعور السيء.
لا أريد النظر لشكلها! يا رجل! ما بالي! صحيحٌ أنها أول مرةٍ آخذ فريسةً لم أرها من قبل… في العادة أكون قد رأيت فرائسي وتحدثت معهم وكانوا يموتون رعبًا لمجرد وقوفي أمامهم…وهنا يكمن الشعور الأكثر روعةً على الإطلاق! الخوف…نعم، الخوف من الموت!… مالي أنا؟.. ألأنها المرأة الوحيدة التي سأقتلها دون أن أعرفها حتى؟…
صحيح! أنا حر… لا يجب عليّ النظر إليها، سأقتلها دون ذلك.أوه.. عروسي المسكينة..!
بعد أن قرر أخيرًا، أدخل يده في شعره الذي غطّى عينه اليسرى ورفعه، فازداد وسامةً… كان يحاول إخفاء ملامح الانزعاج عنه بابتسامة واثقة مصطنعة…
وقبل أن يستدير نحوها، أغمض عينيه ورفع سبابته اليسرى لأعلى فازدادت الهتافات…
” لقد قرر ‘ موت ‘ قتلها بحركةٍ واحدة! ”
” سيريحها بسرعة.. سنشهد عرضًا لامعًا اليوم!!..”
هذه أول مرةٍ لا أشعر فيها برغبتي للقتل!!!!..
اللعنة. هؤلاء المتفرجون ينتظرون مني تقطيعها إربًا إربًا…
ماذا سأفعل؟..
تعالت الهتافات:
” موت! ”
” موت! ”
” موت! ”
” موت! ”
حسنًا سيكون الأمر عاديًّا… هيا… لا بأس يا موت.
ضربةٌ واحدة فقط… ولكن… لماذا لا تحاول هذه العروس الهرب؟ أعلم أنه سيكون من الغباء لو أنها فعلت ذلك فلو تعدّت خطوط الدائرة بدون إذني سيهجم عليها الجميع هنا وستنتهي بأبشع مما سأفعله لها.. لكن… سيفعل الإنسان أي شيءٍ مهما كان غبيًّا في سبيل بقائه على قيد الحياة عندما يحس بالموت… لمَ هي بهذا الهدوء… ألهذه الدرجة هي مستسلمة؟..
استدار نحوها… أزال الغطاء عن وجهها.. كان ما زال يضع تلك الابتسامة المصطنعة.. وفي الدقيقة التي فعل بها ذلك استمرّ مسمَّرًا ينظر لها للحظة… محدِّقًا في عينيها… زالت ابتسامته…
” لماذا تبتسمين بهذا الشكل؟ ”
لم تجب عليه… فقط اقتربت منه أكثر وهمست له:
” هلّا أسرعتَ في ذلك، يا موت؟ ”
وهمّت بالابتعاد عنه إلا أنه أمسكها… ونادى للقاضي الذي كان يهم بالمغادرة:
” أيها القاضي توقف لحظة.”
” هذه الفتاة، هي عروسي، صحيح؟ ”
استغرب القاضي منه، وهز رأسه إيجابًا فأكمل موت:
” إذًا أَعْلِم الجميع أن هذه المرأة ستكون زوجتي منذ الآن فصاعدًا!! ”
ابتلع القاضي ريقه في قلق واستغرابٍ شديدين… وكانت ملامح الصدمة ما تعتلي وجوه الحضور الذي التزم الصمت لشدة ذهوله…
أعاد موت نظره للفتاة فوجدها هي الأخرى تبدلت تعابيرها لتستغرب قليلًا…
فابتسم بمكرٍ وقد أظلمت عيناه…
اقترب من أذنها وهمس:
” نعم.. هذه هي التعابير التي أريدها.. أريدها أكثر… أكثر… لا بأس، سأصبر. سأرى وجهكِ الذي يرتعد خوفًا مني وعيونك الجميلة هذه تود القفز من مكانها رعبًا مني وسأرى الدم وقد تجمّد في عروقكِ. نعم… سأستمتع بكِ!! ابكي واصرخي واستنجدي… للا أحد. سأريكِ معنى الكوابيس الحقيقية!…”
لم تكن تردّ عليه… بل أعادت تلك النظرة التي كانت تعتريها قبل أن ينزع عنها الغطاء… بدون ابتسامة.. وبلا أي تعبير…
لفَّ يديه حولها وحملها بين ذراعيه وخرج من الدائرة وما زال الصمت يعتري الجميع…
__________
(سبقٌ صحفيّ!! )
المذيع: لم يقتل موت المجرمة هذه المرة، بل أعلنها زوجته! هل وقع موت في الحب؟
المذيعة: لا أعتقد… لأنهما لم يلتقيا من قبل، وهذه أول مرة يريان بعضهما فيها.
المذيع: أوهوهو! من يدري! سيجيب السيد موت بنفسه على هذه الأسئلة وأكثر في المقابلة القادمة ليلة الأحد القادم، ترقبوها جيِّدًا أعزائي المشاهدين و المستمعين.
هطل المطر بغزارة.
كان كلاهما يطرقان بنظرهما نحو نافذة تلك السيارة السوداء الفاخرة.
موت استمر ينظر لقطرات المطر ترتطم بزجاج النافذة، بينما يسمع الأخبار التي اشتعلت بسببه.
أما هي فلم يبد على وجهها… أي تعبير… مجددًا… ولكنها ما زالت تنظر النافذة المقابلة…
صوتُ موت اكتسح جدار الصمت الموجود بينما كان يسأل:
“صحيح، اسمك؟”
ترددت قليلًا إلا أنها ردت:
“أڤنوليا… ”
” كومندرس. ”
أراد أن يتذكر للحظة أين سمعَ بهذا الاسم؟
تجاهلها، ثم تابع نظره إلى النافذة.
استغرب ” كيوتا ” سائق السيارة والذي يكون خادم موت الشخصي، من أن سيده لم يقم بفعل شيءٍ لها حتى الآن.. في النهاية سأل سيده:
” سيدي، أنت تعرف آخر جريمةٍ ملكيّةٍ حدثت؟ ”
رد عليه موت بلا اهتمام:
” كلا، أيجب عليّ أن أعرف؟ ”
ركز كيوتا نظره نحو سيده وقال:
” إنها عن ابنةٍ قتلت كل عائلتها الملكية وأغرقت القصر بدمائهم… لم ينجُ أي كائنٍ حيّ كان موجودًا في ذلك القصر يومها… أراد القانون اتهامها بالجنون لفعلتها إلا أنهم وضعوا عليها التهمة في النهاية وصارت حديث البلاد والدول المجاورة…”
برقت عينا موت كمن تذكر شيئًا:
” لحظة، أليس هذا ما حدث في بريطانيا؟ ”
هزَّ كيوتا رأسه إيجابًا وأردف:
” نعم، والعائلة كانت عائلة الكومندرس… ولم يبقَ منها أحد سوى…”
نظر موت إلى تلك الشاردة في الطريق بجانبه، وأمسك بسرعةٍ خاطفة برقبتها وجذبها نحوه وضغط عليها بكل قسوةٍ بينما نظر لها بنظرة مرعبة:
” أڤنوليا. ”
نظرت له أڤنوليا بينما لم تغيّر أيًّا من تعابير وجهها الشاردة…
همس في أذنها كوحشٍ يعلن سيطرته الكاملة على فريسته:
” سأحرص على جعلكِ تزيلين قناع برودكِ هذا.”
لم ترد عليه، بل بدأت تحاول التنفس بصعوبة بعدما أطلق سراحها…
تمتم كيوتا في نفسه:
‘كان عليها أن تمثّل على الأقل أنها خائفة..
ولكن، ألم يبدو عليها أنها كانت راضيةً جدًّا عندما أراد سيدي خنقها؟
آه.. بمَ أهذي… مستحيلٌ أن يكون شخصٌ يرغب بالموت بهذه البساطة…’
تابع كيوتا قيادة السيارة، تابعت أڤنوليا نظرها النافذة وكأن شيئًا لم يكن، بينما حاول موت منع نفسه من النظر لها بنظرات تستشيط غضبًا وحاول تشتيت ذلك برمق الطريق.
‘ كيف تجرؤ على جعلي أحس بمثل هكذا أحاسيس! أأبدو غير مخيفٍ لهذه الدرجة؟! ألا تهاب الموت؟!….
هذه أول مرة أقابل شخصًا مثلها! ثم ما خطبُ تعابير وجهها الباهتة الباردة التي لم تتغير؟ ما قصة نظراتها الميتة تلك؟ أهي جثة؟ أوه نعم.!..’
أدار نظره نحوها… بينما تطاير شرر المكر من عينيه المظلمتين:
” منذ الآن فصاعدًا – وحتى أغير رأيي وطريقة التعامل معك – ، سيكون اسمكِ’جثة’ . وسيتم التعامل معكِ على أنكِ كذلك. ”
ثم ابتسم بشيطانيّة بينما ينتظر ردة فعلها…
ابتلع كيوتا ريقه… هو يعلم بأن موت لا يقول أي كلمةٍ عبثًا..
نظرت له بعدما اتسعت حدقتاها للحظة… ثم هفتت… ثم أومات برأسها إيجابًا.. وشردت من جديد.
ارتعشت يد كيوتا التي تمسك بمقود السيارة، هو يعرف سيده…
‘ يبدو بأنني سأضطر لغسيل السيارة كلها من الدماء مجددًا. ‘
هذا ما فكّر به..
لكن المفاجأة، كانت أن موت نظر بعيون باردة مظلمة إلى كيوتا وقال بهدوء بابتسامة مريبة:
” دعنا نأخذ جثة في جولةٍ قبل القصر يا كيوتا. ”
ثم رفع قدمه اليمنى فوق اليسرى واعتدل بجلسته فبدأ كملكٍ يتربع على عرشه.
” تحدي إذًا؟ ”
” أحب أولئك الذين يتحدون الموت ”
” بدأ الأمر يجذب اهتمامي. ”
هذا ما كانت توحي تعابيره بالقول.
تنهد كيوتا بعد أن فهم نظرات سيده وقد علم بأن هذه الفتاة التي تجلس بشرود كان سيكون أهون عليها لو ماتت في تلك القاعة…
.
يتبع…