أنستازيا: سر السحرة - 1
الفصل الأول
لقد كانت ليلة هادئة، الشمس موشكةٌ على الغروب، مشكلة لوحة فنية من اللونين الأحمر والبرتقالي في تلك الأمسية الخريفية، دخل ‘إلفيس’ إلى بيته، لتركض ‘كاثرين’ إليه مسرعة لتسلم عليه وتقودهُ إلى طاولة العشاء التي سبقهُ إليها أبناءه الثلاثة، لترحب به أصغرهم أنستازيا’ بعناق و قبلة على وجنته، معبرة عن مدى اشتياقها له طوال اليوم
.
“لقد أطلتَ الغياب يا أبي، لقد وعدتني بأن تُحدثني في هذه الأمسية عن قوانين موريا
“أنا آسف يا ابنتي فقد كان علي إنهاء عمل يومين حتى أتفرغ ليومك الكبير غدًا، لا تقلقي سأحدثك عما تريدين بعد العشاء”
حظيت العائلة بعشاءٍ هادئ ومليء بضحكات سعيدة من ‘أنستازيا’ التي كانت متحمسة ليومها المنتظر أخيرًا والذي يبعدها عنه ليلة واحدة فقط، وبعد انتهائهم من طعام العشاء، تجمع الكل في مكتبة ‘ألفيس’ التي حُظِرَ على الكل دخولها حيث جلس في منتصف الأريكة التي تتوسط الكتب التي تحيط بالجدران من كل حدب وصوب وعلى كِلا جانبيه طفلاه ‘سيسلي’ و ‘مالوري’ بينما أجلس ‘أنستازيا’ في حجره، واستفتح نقاش الليلة المنتظر أخيرًا.
“لم يدخل أحدٌ هذا المكان من قبل لكني اليوم أجلستكم فيه لنجيب عن أسئلة ‘أنستازيا’ قبل يوم الفحص غدًا، وطننا الحبيبة تمتلك عدة قوانين هدفها حمايتنا مِن الوحوش الذين يُدْعَون بالسحرة، لقد ارتكبوا أفظع الجرائم على مر التاريخ وتسببوا في سقوط مملكتنا من قَبل، لكن بفضلِ عزيمة وقوة قادتنا وأسلافهم بدأنا بمحاربتهم، حتى لو كلفنا هذا حياتنا، لقد رأيت العديد من الجنود الذين يُكَرسون أنفسهم لمحاربة السحرة والقضاء عليهم، لكي يعيش شعبنا بدون الخوف من فقدان عقولهم من خلال قوى هؤلاء المتوحشين”.
كان كل الأطفال متحمسين لمعرفة بقية القصة ويتطلعون لوالدهم الذي كرس حياته كطبيب في جيش محاربة السحرة.
لكن ‘أنستازيا’ لم تكتفي بمعلومات التي قدمها والدها لها لذا همَّتْ بطرح العديد من الأسئلة الأخرى.
“إذن يا والدي كيف يفرق الطبيب بين البشر والسحرة؟ وكيف يستطيع السحرة من السيطرة على عقول الأبرياء؟ وكيف يعمل الفحص؟”.
“لَديكِ الكثير من الأسئلة يا ‘أنستازيا’، متأكدٌ من أنكِ ستصبحين جندية ممتازة، حسنًا في صباح يوم الفحص يتوجه جميع الأطفال الذين تخطوا سن العاشرة إلى قاعة الفحص لِيُعطوا عينة من دَمِهِمْ إلى الطبيب المسؤول عن عمليات الفحص لكي يفحصها، ثُم تُعلن النتائج في قاعة الإعلان الكبيرة التي يُعلن فيها جميع الأخبار المهمة في البلاد، وعن كيفية التفرِقة من يشتعل دمهم عند تعريضه لنارٍ بسيطة هم السحرة الخونة أما المواطنين الصالحين الذين سيخدمون بلدهم مستقبلا لا يشتعل دمهم بعد تعريض عينات منها للنار دمهم “.
“و ماذا يكون مصير من يكتشف أنهم سحرة يا والدي؟”
“من يكتشف أنهم سحرة يُعدَمون جميعهم بعد يوم من يوم الفحص”
لاحظَ ‘ألفيس’ خوف ‘أنستازيا’ عند قوله أن مصير كل من لا يمتلك قوى سحرية يعدم مباشرة لذا وضع كفه على خدها لِطَمأنتِها.
“لا تقلقي يا ‘أنستازيا’ أنا متأكد أنك لست ساحرة ففي النهاية أنت ابنتي أليس كذلك؟”
“بالتأكيد يا أبتي، لستُ قلقة من احتمالية كوني ساحرة، أنا بشرية وكما أنني سأكبر وأصبح طبيبة في الجيش الوطني لأعالج الجنود الذين يبذلون الغالي و النفيس للقضاء على جميع السحرة حتى يعيش شعبنا بسلام بعيدا عن شرهم”
بعد ما قالته ‘أنستازيا’ صرَّحت ‘كاثرين’ بأن الأولاد عليهم الذهاب للنوم الآن لأن يوم غد سيكون يومًا طويلًا، ويجب أن يناموا جيدًا لكي يستطيعوا الاحتفال ب “أنستازيا’ لذا توجه الكل إلى غرفهم مستعدين لاستقبال يوم حافل سيقلب حياتهم رأسا على عقب
………………………………
بعدما صرفت ‘كاثرين’ الأطفال إلى غُرفهم أطاعها الجميع وتوجهوا إلى غُرفِهم بصدد الحصول على قسطٍ كاف من الراحة، لكن ما إن عبروا الرواق وصاروا مخفيين عن أعين والديهم، أوقَفَتْ ‘سيسلي’ ‘أنستازيا’ ممسكةً كَتفَها بقوة معتبرة لكن قوية بما فيه الكفاية لإيلام فتاة في العاشرة من عُمرِها، ولم تكتفي بذلك، بل بدأت بغرس الشك في قلب أنستازيا عن نتائج الفحص يوم الغد.
“تعلمين ماذا؟ منذ أن كنا صغارًا وأنا أشك بأنكِ ساحرة وبدأ شكي يزداد مع الزمن، وغدًا سيرى الكل الإثبات على صحة كلامي”
لم ترد ‘أنستازيا’ الرد على كلام أختها الجارح لكي لا تكتشف ‘سيسلي’ أنها متوترة وبدأت تشك بنتائج الاختبار لذا تخلصت من يد ‘سيسلي’ المغروسة في كتِفِها وعندما كانت على وشك دخول غرفتها، سمعت صوت أخيها يرد على ما قالته شقيقتها.
“توقفي عن قول هذا يا ‘سيسلي’ تعلمين جيدًا أن ‘أنستازيا’ لا يمكن أن تكون ساحرة لأنه لا يوجد سحرة في نَسْلِنا، كل سلالتنا أنقياء غير مدنسين، لذا من المستحيل على ‘أنستازيا’ أن تكون ساحرة، تقبلي ذلك”
استدار ‘مالوري’ إلى ‘أنستازيا’ مطبطبًا على كتِفِها يُطمئِنُها كما أتفق فعله هذا بكلمات تشجيعية لمساعدتها في التخفيف من توترها.
“لا تشغلي بالك بكلام ‘سيسلي’ تعلمين أنها لا تقصد ما تقوله أنتِ بالتأكيد لستِ ساحرة لذا ادخلي غرفتك واحظِ بقسطٍ من الراحة فَبِالنهاية سيكون يومُكِ طويلًا وشاقًا غدًا”.
فعلت ‘أنستازيا’ ما نصحها أخوها به وتوجهت إلى غُرفتها، وما إن أغلقت الباب حتى استدار ‘مالوري’ رامقًا ‘سيسلي’ بنظرات معاتبة ثم أمسك يدها يجُرُها إلى غرفتهما، وما إن وصلوا حتى أغلق باب الغرفة يراقب تصرفات ‘سيسلي’ و كيف ارتمت على سريرها ساحبة الغطاء فوق رأسها مواجهة الحائط.
تنهد ‘مالوري’ وذهب إلى جهة سريرها وجلس على طَرَفِهْ، يحاول الحديث معها، لم يكن هذا الموقف غريبًا عليه، لقد كان ‘مالوري’ في أغلب الأحيان هو من يواسيها بعد كل قتال مع أختهم أو والديهم.
“هيا ‘سيسلي’ بحقك، لا تتصرفي كالأطفال، لِمَ قلتي لأنستازيا أنها ساحرة، لقد كانت متوترة بدون كلماتك لها تخيلي فقط كيف ستكون حالتها الآن”
“لا أهتم بحالتها، هي لديها أنت ووالدينا لتقلقوا عليها ولكي تُعَلِقوا عليها آمالكم، متأكدة أن كلماتي لم تُأثر بها، وحتى لو قَلِقَتْ لديها من يُخفف عنها”
“صحيح أن لديها الجميع لكن ستظل قلقة من النتائج، كل طفل في سِنِّها سيفعل، وقد كنا في نفس مَكانِها قبل سنتين، من المفترض أن تتفهميها وتواسيها لا أن تحبطيها أكثر”
“فكر في الأمر ‘مال’ كيف تحظى بتعاطف الجميع وقلقهم عليها وحدها إن لم تكن ساحرة، والأهم كيف تحظى بحب والدنا بارد القلب كذلك؟”
“هي فقط طفلة لطيفة ومحبوبة لا أكثر، حسنًا دعينا من هذا الموضوع، لِمَ لا ننام سوية هذه الليلة، لم ننم سوية منذ فترة أن كنا في السادسة، ما رأيك؟”
“تعلم أنني لن أرفض ‘مال’ ”
أفسحت ‘سيسلي’ مساحة لأخيها التوأم وسندها الوحيد بجانبها فاستلقى مباشرة وغطى جَسديهِما وحضنها وما هي إلا ثوانٍ فقط حتى غطَّا بنومٍ عميق كما تعودا منذُ ولادتهما.
……………………………………………………
يتبع