أنستازيا: سر السحرة - 4
أخيرا قد حل اليوم الموعود، فبعد ليلتين من التخطيط و الترقب أخيرا ذهب ‘إلفيس’ و ‘كاثرين’ إلى إجتماع الأهالي بوسط المدينة، و حان موعد لقاء ‘أنستازيا’ و ‘إيثان’ الأخير.
كانت ‘أنستازيا’ مختبئة وراء شجرة الصفصاف المجاورة لنافذة غرفتها منتظرة خروج ‘سيسلي’ رفقة ‘مالوري’ متجهين للمدينة سويا بنية تشتيتها عن ‘أنستازيا’ التي تسللت خارج منزلهم لتودع ‘إيثان’ إلى الأبد، و بينما كانت شاردة تفكر بمستقبلها المجهول تفاجئت بيد تموضعت على كتفها و إذ به ‘إيثان’ قد وصل أخيرا فحضنها بعد فراق أسبوعين و نصف منذ آخر مرة إلتقيا بها في ليلة الرابع من كانون الأول ثم نزلا من أعلى التلة التي يقع عليها منزل عائلة الطبيب ‘ميكارثي’.
بينما هما يتمشيان قرر ‘إيثان’ كسر الصمت المطبق بينهما مغرقاً رفيقته بمختلف الأسئلة التي راودته طوال مدة إفتراقهما و القلق و الحيرة واضحان على محياه
“إذن أين كنتي طوال هذه المدة، و ماذا حدث؟ و لم العم ‘إلفيس’ مستاء منك حتى يرسلك إلى مدرسة داخلية بمدينة أخرى؟ و هل أجريتي الفحص؟ ماذا كانت النتيجة؟”
“لما العجلة؟ لا يزال لدينا متسع من الوقت تروى قليلاً”
قال بإنزعاج “لا تختبري صبري بهذه الطريقة، لقد كنت على مشارف الجنون طوال الأسبوعين الماضيين” ثم أخذ نفسا عميقاً محاولاً ضبط أعصابه “تفضلي كلي آذان صاغية”
“حسنا إهدأ فقط، لقد أخبرت والدي أنني لا أنوي إتباع خطأه و الدراسة بأكاديمية الطب و أعلمته أنني أريد أن أغدو جندية بجيش محاربة السحرة الخاص لكنه رفض بشدة و عندما أصررت على موقفي بشدة حبسني بغرفتي و عوقبت بإكمال سنوات دراستي بمدرسة داخلية بعيدا عن الجميع و الحل الوحيد لعودتي هو موافقتي على إرتياد أكاديمية الطب المركزية و لكنني لن أتراجع مهما حصل و لن أرضخ لرغباته، و نعم قام والدي فحصي و تبين أنني لست ساحرة كما أخبرتني تلك الليلة”
أجابت ‘أنستازيا’ بالكذبة التي جهزها لها والدها و قلبها يؤلمها لحقيقة أنها لا تقدر على إخباره بالحقيقة حتى لو أرادت ففي النهاية من سيقبل أن يصادق ساحرة و كل ما تتمناه حالياً هو أن يتذكرها ‘إيثان’ كصديقته المفضلة التي قضى معها أجمل ذكريات طفولته لا أن يتذكرها مدنسة بحقيقتها البشعة تلك.
تأثر ‘إيثان’ بحقيقة أنه لن يتمكن من رؤية صديقته المفضلة لسنوات لكنه إستمر في دعمها و محاولة إبهاجها
“لا تبالي بما يمليه أي أحد عليك ‘آن’ المهم هو حلمك و شغلك كما أنني متأكد أن العم ‘إلفيس’ لن يطيق صبرا لرؤيتك بعد مرور عدة أيام فقط، و سيلين قلبه تجاهك و يرضخ لرغبتك في النهاية”
قالت ‘آن’ بنبرة حزينة و مكتربة “نعم، أنت على حق فأبي يحبني كثيرا و سيسامحني لمعارضته في النهاية”
و بعدما طال الحديث بينهما وصلا أخيرا السوق الكبير الذي يتوسط المدينة حيث تباع كل أنواع البضائع و السلع المختلفة من ملابس ، مجوهرات ، أسلحة و مأكولات؛ جذب إنتبه ‘أنستازيا’، طاولة بيع مجوهرات على قارعة الطريق تملكها إمرأة عجوز ذات ملامح مريحة و إبتسامة حنونة فأسرعت ناحيتها بينما يتبعها ‘إيثان’ بخطوات أبطأ، و ما إن إقتربت كفاية من طاولة المجوهرات إنبهرت بجمال جميع المعروضات من أساور و عقود و أقراط مزينة بجواهر مختلفة الألوان و الأشكال ثم قالت مبتسمة؛
“يال جمالها، أنظر يا ‘إيثان’ أليست جميعها بديعة الجمال؟!”
“بالفعل كلها جميعها خلابة!”
“شكرا لكما يا صغيرين، إبني هو من يتكفل بصناعة القطع سيكون ممتنا ليعرف أن مصنوعاته نالت إستحسانكما” قالت المرأة العجوز بإمتنان.
أضافت أنستازيا “جميعها متقنة الصنع بشكل مدهش يا عمة” ثم أضافت مشيرة إلى عقدين فضيين متطابقين على شكل شمس و هلال مكملين لبعضيهما و يتوسطهما حجرا زمرد و نقوش تلتف حولهما “خاصة هذان العقدان يا عمة، تصميمهما في غاية الإبهار”
“بالفعل إن هذين العقدين من أكثر القطع المميزة لدي و أظن أنهما سيناسبانكما بشكل خاص”
قالت ‘أنستازيا’ و ابتسامة متحمسة تعتلي ملامحها “أظن كذلك أيضا، فبكم سعرهما؟
“قطعتان فضيتان يا صغيرة”
و قبل أن ترد ‘أنستازيا’ سبقها ‘إيثان’ قائلاً “نحن لا نملك هذا المبلغ حالياً آسفان على إضاعة وقتك دون جدوى سيدتي” ثم أضافت مخاطباً صديقته “هيا لنكمل طريقنا”
لكن قبل أن ينصرفا أوقفتهما العجوز منادية عليهما ثم خاطبت ‘أنستازيا’ قائلة “هل تريدين العقدين يا جميلة؟” “نعم و لقد أحببتها حقا يا عمة لكننا لا نملك المال لإقتنائهما” قالت و الحزن طاغ على ملامحها البريئة.
“لا بأس خذاهما بالمجان يا صغيري”
“أشكرك يا عمة لكن لا يمكننا أخذهما دون دفع ثمنها”
“لا تقلقي بهذا الشأن يا صغيرة، كلاكما يبدو فالعاشرة من العمر هل إجتزتما الفحص؟”
و ما إن سمعت ‘أنستازيا’ سؤال المرأة العجوز حتى بهتت الإبتسامة التي إعتادت ألا تفارق ملامحها عندما تذكرت الحقيقة التي أرادت أن تنساها حتى و لو فترة قصيرة، و عندما أطالت شروطها أجاب ‘إيثان’ سؤال المسنة عوضاً عنها.
“نعم يا سيدتي، كلانا إجتاز الفحص و نجح فيه”
“حسنا إذا إعتبرا العقدين كهدية لإجتيازكما الإختبار” قالت بائعة المجوهرات موجهة واحدة من إبتساماتها نحوهما معمقة التجاعيد التي غزت وجهها الذي عفى عنه الزمن، و مع إصرارها عليهما حتى يقبلا هديتها رضخ كلاهما لرغبتها و أخذا العقدين من كفها المبسوطة ناحيتهما و هَمَّا بإرتدائهما ثم شكرا العمة العجوز و مضيا في طريقهما يستكشفان السوق الكبيرة لأول مرة لوحدهما، حيث توقفا عدة مرات أمام طاولات تبيع مختلف أنواع المأكولات و أخرى تعرض منحوتات لأبطال ‘موريا’ الذين خدموا في الحرب ضد السحرة و الذين لطالما ‘أنستازيا’ أن تكون بينهم و أن ينقش وجهها بين أعظم المحاربين في التاريخ على سطح جبل ‘تستيلا’ لكن و سبب الدم النجس الجاري في عروقها إندثر هذا الحلم مع أدراج الرياح.