التوأم - 16
بالفعل، مرت مدة والأميرة الصغرى محتجزة عند ذلك الرجل.
رغم المدة القصيرة التي عاشتها، لكن عذابها كان قاسي، كانت مجبرة كل يوم على كتم دموعها و شهقاتها، لتتأكد من عدم ظهورها كضعيفة أمام هذا الرجل، كانت تحاول مقاومة الألم، الإهانة.. كل ما كان يفعله بها، رغم هذا..كان مستمتع..مستمتع جدًا بعذابها، وكأنه يؤذي عدوته، لربما هي بالفعل عدوته..فهي “ابنة عدوه” أي عدوته.
رغم استمتاعه إلا أنه كان يكره فكرة عدم بكاؤها أمامه..وكان هذا واضح في كل مرة يقسو أكثر من سابقها..وكأنه ينتظر أن تخضع له تمامًا، أن تبكي وتتوسل له، حتى بعد تهديده لها بالقتل..لم تبالي، ابنة وليام ساتو، كبرت على عدم أسقاط كرامتها وكبريائها.
بالعودة للحاضر..
بعد خروج اليانا من الغرفة بعد مناداتها لسايا التي رفضت المجيء معهم للأكل بسبب وجود أرنستوا.
جلست اليانا على مائدة الطعام، مع أخيها أرنستوا ورجل آخر.
نطق الرجل بينما يلمس خد اليانا بحنية “عزيزتي، تبدين غاضبة؟. هل ازعجتكِ مدللة ساتو؟.”
تنهدت اليانا وأبعدت يده “اوليفر، أنا بخير..لكن حالها لا يعجبني..أنها تذكرني بأمور كثيرة..” صمتّ اليانا قليلًا، متذكرة بعض الأمور.. ثم نطقت بعدما وجهت نظرها لأرنستوا “متى ستعيدها لوالدها؟.”
نظر لها أرنستوا الذي بفمه بعض الطعام ليشير على نفسه “تكلميني؟”
تمالكت اليانا أعصابها وامسكت رأسها ناطقة “من غيرك جلبها لهنا؟”
“حسنًا لا أنوي إعادتها بأسرع وقت، أنوي ارسال هدية لوالدها اولًا، والهدية أعلم بالفعل ما أرسله.” قال وعينيه كأن كل الخبث في العالم اجتمع بها..نيته من الواضح أنها لم تكن جيدة..على الأقل ليست لسايا.
ترددت اليانا من نظرة اخيها، لكن لم تقل شيئًا وأكلت بهدوء الى أن نطق أرنستوا “أتعلمين أن هذه الطفلة غير معتادة على البقاء بعيدًا عن عائلتها؟ يبدو أنها مدللة جدًا، وكذلك يبدو أنه لم يتم ضربها أبدًا، جسدها حساس جدًا، ضربة بسيطة مني تجعلها بحالة سيئة، رغم هذا تحاول مقاومة بكائها..”
قال كاتمًا ضحكته بينما نظرت له اليانا بحدة ناطقة بنبرة غريبة “أتظن أن هذا شيء جيد؟. هذه ابنة والدها الوحيدة بين خمس أولاد، لما قد يضربها إن لم تذنب ذنب؟. لما قد لا يتم تدلليها وهي الوحيدة ومع هذا كله هي أميرة؟”
“اختي لا تفسدي أجواء المتعة! بجدية كبر سنكِ جعلكِ مملة..أحب رؤيتها تتأذى! هذا يريحني حقًا.. لم أعتقد أني سأشعر بهذا الشعور يومًا، لكن نظراتها تلك..نظرات التكبر!.” قال وضرب الطاولة والغضب يتملكه “هذا وعد مني..سأقتلع عينيها..سأجعلها تُحرم من نظرها، لما؟!. لتتعلم مع من تتعامل..فقط ليمر الوقت..وسأريها..”
ضحك المدعو أوليفر ممسكًا رأسه “هل أغضبتك طفلة؟ حقًا ارنست؟”
“أخرس! هي مزعجة جدًا، تدعي القوة وفي كل مرة تنام عينيها تذرف الدموع..أعلم أنها تحاول ادعاء القوة امامي فقط خوفًا من العار، لكن سأعذبها عذاب لم تتذوقه ولم تتخيله يومًا..”
“هدفك السابق الأنتقام من استهزاء وليام لك بأبنته، الآن..تنوي الإنتقام من الطفلة لأن نظرتها لك لم تعجبك؟ أتريد أن تنظر لك بعشق وغرام وانت من اعتدى عليها وأفسد شرفها وأهانها؟ أتظننا برواية خيالية تخطف فتاة وتقع بحبك؟” قالت اليانا موبخة أرنستوا بنبرة مليئة بالاستهزاء، الغضب، المعاتبة، التساؤل، كل تلك المشاعر بنبرتها التي توجهها له.
نهض أرنستوا “من أنتِ بالضبط؟ اختي ام اختها؟! لما هذا الحب والأهتمام تجاهها؟ بجدية المفترض أن تكوني بصفي لكونكِ اختي!!” صرخ بوجه أخته التي بنظرة بسيطة منه جعلته يصمت..
“أخرس اولًا وأحترم كوني اكبركِ بملايين السنين، وأجلس لستَ طفل لتتصرف هذه التصرفات، آخر شيء، لا أهتم إن كنت أخي، أن كنت ابي، ان كنت أبني..أن كان العدل ليس معك، فلن اوافقك بشيء، هذا سبب عداوتي مع دان، دان عدله كان خاطئ وهذا سبب أنقلابي وجعلك تنقلب ضده.. انظر، أبقيت تلك الطفلة عندك لأني قررت عدم التدخل، لكن صدقني اخي الصغير، أن تكرر الأمر مع فتاة أخرى..أو هذه الفتاة جعلتها تعاني أكثر من معاناتها الحالية، لن تكون أخ لي.” قالت تلك الكلمات تحت صدمة اخيها غير مبالية بوضعه، نبرة حزم واضحة ثم اكملت طعامها.
صمتّ أرنستوا وقرر عدم مناقشتها..ثم نهض “انقطعت شهيتي..” قال ثم اتجه لغرفته.
تنهدت اليانا وأمسكت رأسها ليربت عليها المدعو اوليفر بحب واهتمام “عزيزتي اهدئي، اهدئي.”
“كيف لي أن أهدأ أوليفر؟؟. لم أريده أن يصبح مثله!! حاولت أن أجعله لا يرث تلك الطباع..لكن فشلت..هل لكونه عاش ثمان سنوات فقط معه؟. لكن كيف لثمان سنوات كفيلة لتجعله هكذا؟!. مرت قرون على هذا بالفعل!”
“لما تهتمين لهذا؟. هو بالفعل بالغ ويعلم تصرفاته جيدًا، لما تتكلمين معه وكأنكِ تكلمين طفل؟ أتظنين أن هذا مجدي؟ لا عزيزتي، صدقيني هذا سيتعبكِ فقط، لا أريد أن يُفسد جمالكِ بسبب الغضب.” قال ملامسًا خدها بابتسامة.
ابعدت يده ونهضت “أعتقد أني سأفعل كتلك الطفلة..اكل بمفردي بالغرفة.” قالت وغادرت طاولة الطعام.
تنهد أوليفر بعدم حيلة ناطقًا “خطيبكِ وهذا تعاملكِ معي، يالقسوتكِ~”
عند أرنستوا وسايا لم يكن الوضع جيد حقًا.
لم يضربها أو يفعل لها شيء هذه المرة، فقط دخل واستلقى على السرير بينما هي تجنبت النظر له وكأنها ليست منتبهة لوجوده.
نطق وهو ينظر للسقف “اختي مزعجة..تحاسبني وكأني طفل!. ماذا لو خطفت فتاة وأذيتها؟! هذا ظلم! أنا بالفعل لي الحق بفعل أي شيء اريده!” قال مع نبرة متذمرة مخاطبًا التي اختطفها.
نظرت له سايا بطرف عينها..وكأنها تقول بداخلها ‘أتقول هذا الكلام لمن خطفتها؟’
تنهد أرنستوا ونظر لسايا سائلًا “أنتِ سعيدة لأنكِ هنا، صحيح؟”
نظرت له سايا باشمئزاز واضح على محياها “أي نوع من الأسئلة هذه؟.”
ضحك وأمسك طرف شعرها يلامسه “أمزح فقط، إلا يتحملون ساتو المزح؟ على أية حال…أنتِ محظوظة جدًا، ملايين النساء تتمنى فقط أن أنظر لهن، أما أنتِ؟ محظوظة جدًا.”
تنهدت ونظرت للسقف “لا أعتقد أن هناك فتاة معجبة بك أساسًا..أن كانت توجد، فهذه تم استبدال عقلها.”
“وانتِ؟ من يحبكِ اساسًا؟ أراهن أن حتى حبيبكِ يحب منصبكِ أكثر منكِ، لا اعتقد أن أحدًا ما سيحبكِ، مسكينة يا ابنة وليام~” قال ساخرًا منها لكنها لم ترد، واكتفت بالنظر للسقف.
إلى أن نهض مجددًا وأمسك السكينة..نظرت سايا له بهدوء..نعم..كانت خائفة..لكن لم تبين هذا له.. بقيت هادئة..
مرت الدقائق التي تحولت لساعات..بالقصر الإمبراطوري حيث وصل صندوق غريب، يحمل رسالة..بعنوان الصندوق « من مجهول إلى وليام ساتو، بخصوص ابنته » بدون عنوان المكان المُرسل..
فور أن رأى وليام سيرة ابنته الصغرى..عدة مشاعر اقتحمت قلبه، مشاعر الاشتياق لصغيرته، مشاعر الغضب من أن يكون شخص ما يعبث معه فقط، الخوف من أن يكون ما ينتظره بالصندوق أمر مريع..إلى أن لاحظ الرسالة وفتحها ليقرأ.
“عزيزي وليام، أشتقت لأبنتك المدللة صحيح؟. لعلمك أنها جميلة حقًا، لكنها مزعجة مثلك، تدعي القوة لكنها ضعيفة جدًا، أعتقد أنها مشتاقة لك ولأخوتها..لكن لا تقلق، ستكون اسعد معي، على أية حال..ارسلت لك هدية تذكرك بها، لعلمك! لولا جمالها وفتنها لي، لقتلتها وارسلت جثتها لك.. لكن أن حظك جيد انك رُزقت بطفلة حسناء، لربما ورثت جمالها من والدتها؟ ليسا كانت امرأة جميلة بالنهاية.”
الرسالة تلك جعلت وليام يشتغل غضبًا..كان هذا واضح من يديه التي ترتجف غضبًا ممسكًا بتلك الرسالة..التي لا ختم لها، ولا عنوان..لا اسم..فقط كلام غريب من رجل مجهول الهوية.
فورًا رمى الورقة وفتح الصندوق..متمنيًا أن ما سيراه ليس ما تخيله..وجد خصلة شعر بني اللون.. لم تكن خصلة قصيرة، بالعكس طويلة جدًا..كلون شعر صغيرته..ثم وجد ذلك القماش..حمله كاشفًا عن منظره، فستان تتويج سايا، نفسه..بدون أي تغير، بدون اي شيء..فقط تمزيق بسيط عليه يدل على الأعتداء وعلى أذية صاحبته..تصميم الفستان لم يكن سهلًا..فعلم وليام أن لا أحد يحاول الاحتيال عليه..علم أن المرسل هو حقًا خاطف ابنته..
“سايا..” نطق وليام ليحضن فستان صغيرته ثم نطق مجددًا.. “ابنتي.. من الذي تجرأ على فعل هذا لكِ؟. من تجرأ على تمزيق فستان صُمم لأجلكِ فقط؟. من الذي يتجرأ على إحضار سيرتكِ بدون خوف برسالته؟؟ من الذي تجرأ على قص شعركِ الذي..تفضلينه حقًا..” صمتّ بعد كلماته تلك.. وحده بمكتبه..بالطبع لن يسمح لأحد برؤيته بتلك الحالة..
كان خائف..عاجز..بالوقت نفسه..غاضب..يشتعل غضبًا تمنيًا أن يعرف المُرسل..لمزقه لقطع..وجعله عبرة لمن أعتبر..لكن ما الذي بيده؟
نهض ووضع الفستان داخل الصندوق ونادى مساعده الشخصي ناطقًا “استدعي دان فاسليفنيا فورًا..”
بالفعل فعل ليوناردو الأمر واستدعى دان الذي جلس ونظر لما داخل الصندوق “هذا الفستان يبدو مألوف لي حقًا، هل طلبت تصميمه؟ لا أعتقد أن أحد ابنائكَ يرتدي فستان، أليسوا رجال؟ هذا غريب ومثير للشك ويلي.” قال دان ساخرًا.
ضرب وليام الطاولة “أتظن أن هذا أمر يستحق المزاح؟. أنه فستان تتويج ابنتي!”
“ابنتك؟. أتملك واحدة؟” سأل دان بفضول.
تنهد وليام ثم أمسك رأسه “انظر دان، لستُ متفرغ لحيلكَ هذه..هذا ما تم ارساله لي اليوم..ومن المؤكد أن هذا من المختطف نفسه وبالطبع لم يكشف عن هويته الجبان..”
“اوه إذا من يكون؟ همم..أن خطف ابنتك من المفترض أنه يبغضكَ حقًا، كيف قص شعرها اساسًا؟ اذكر أن طفلتك تحب شعرها لدرجة أن لمسه أحد ستقطع يده.” قال ساخرًا.
“سأقطع يده بنفسي لتجرؤه على الاقتراب من طفلتي أساسًا..” قال وليام حقدًا.
أومأ دان ناطقًا “بالطبع بالطبع، دعنا من هذا، من قد يخطفها؟ لا أستطيع اتهام شخص لكونكَ شخص مكروه، لا شك أن أي أحد يستطيع خطف تلك المدللة، لكن الغريب اني لا أرى أحد من عالمك فعل.”
“ببساطة لأن أخاك من فعل!!” صرخ وليام بعد أن فرغ صبره مع دان.
“اخي؟. هل أملك أخ؟. أوه نعم.. أرنستوا، غريب، لما اختطفها؟ لما لا تعيدها؟” سأل دان اسئلة غبية على الأقل بالنسبة لليوناردو ووليام.
أجاب وليام متمالكًا غضبه “لما برأيك؟. أتظنني أعلم كل شيء؟؟ لستُ بعالم الغيب! وكيف لي أن اعيدها أن لم تكن بعالمي؟ ولم يجد أي أحد دليل عن مكان وجودها؟”
أومأ دان ثم سأل مجددًا “كيف علمت أنه أرنستوا؟ أم فقط تريد ادخالي بالأمر؟”
“لا احد له الأسلوب القذر بالكلام هكذا أكثر منه..ثم ظهوره قبل عدة أسابيع بغرفة سايا لم يجعل قلبي يطمئن، علمت أنه ينوي على شيء لكن لم أتوقع أنه سيصبح بهذه الجرأة..ثم طريقة تخفيه هذه..من الواضح أنه فرد من العالم التاسع ببساطة..ولا احد أتى ببالي غيره أساسًا.” قال وليام بينما يفكر متذكرًا بعض الأحداث..
تنهد دان ونهض “يبدو أن أخوتي اشتاقوا لي، أتساءل أين هم..” قال وابتسامته المعتادة اختفت ولأول مرة بدا جادًا بعمله.
برؤية الأمر عند كيفن..كان بالفعل حالته ساءت عن قبل..من الواضح أنه أصبح أقل تواصلًا، أصبح فقط مهتم عن معرفة أي شيء عن أخته..ثقته بالجميع اختفت..حتى أخوته..
جلس أخيه الكبير، هادئ كعادته.
تنهد كيفن ناطقًا منزعجًا “ما الأمر مايكل؟.”
“أعلم أنك غاضب..وقلق، خائف..وما شابه.. لكن سايا بخير..” قال مايكل محاولًا مواسيًا كيفن رغم حزنه وخوفه على سايا، لكن يعلم أن كيفن أكثر من يتأذى بينهم..
نهض كيفن غاضبًا يصرخ بوجه أخيه “ما الذي يضمن أنها بخير؟!. من أقرب الأشخاص لها غدر بها!. كيف ستكون بخير؟. من الذي يعلم ما تعانيه الآن؟!. في كل مرة اخلد للنوم..اسمع صوت بكائها..لم اعد اريد النوم!. أشعر أني مرتاح بينما اختي تعاني بمكان آخر..هل هذا جزء من الاختبار؟. إلا يعني هذا أن علينا المعاناة لأجل الفوز كوننا الأمل الأخير؟. إذا لما هي تعاني وحدها؟!. ماذا عني؟. هل تم اختيارنا ليعاني أحدنا والآخر ليعيش بسلام؟!. لا أستطيع الشعور بهذا الشعور مع الأسف.. اشتاق لأختي..اشتاق لقربها مني..صوت بكائها مؤلم..لم اسمعها تبكي قط.. لما تبكي بأحلامي؟. أي نوع من العذاب تعيشه بواقعها إذا؟.. أجبني مايكل..”
قال كيفن بينما عينيه خانته وذرفت الدموع على خديه..يمسحها تارة، وتارة آخرى تتساقط المزيد..كان من الواضح أنه يتألم، ما الفائدة؟ لم يجد أخته، لا يعلم شيء عنها، يعلم فقط أنها تتأذى، لكن لما؟ على يد من؟ أين؟ لا يعلم، وأن علم؟ هل يستطيع فعل شيء؟ هذا ما سأل نفسه به، هل سيستطيع مواجهة من خطفها والانتقام لها؟ بالطبع لا..فهو يضع الذنب كله على نفسه..أخته التوأم خُطفت، أين كان بهذا الوقت؟. كل ذاك الكلام يعاتب نفسه ويلومها..
لم يجبه مايكل..بقي هادئ..علم أن الكلام بهذا الوقت سيكون خاطئ، لا فائدة من مواساته، فلن يرتاح قلبه أن لم يراها أمامه..انتظره إلى أن تأكد أنه انتهى من كلامه ليسأل.
“هل كانت ستكون سايا سعيدة بحالتك هذه؟.” سأل مايكل.
أجاب كيفن بينما يمسح دموعه “لوبختني وقالت؛ أي نوع من الرجال سيبكي هكذا؟.. أنت ابن وليام ساتو! البكاء هذا لن ينفعك بشيء!. أحمق فقط..” ضحك بعد تخيله لسايا تقول هذا الكلام ثم نطق.. “لطالما كانت تفخر بكونها ابنة أبي..لم ترد أن يتم أنزال اسمه أبدًا..لكن الآن..هل يعقل أن سبب بكائها الأهانة؟. الضرب؟. ما الذي يجعلها تبكي هكذا؟. هذا ما يجعلني أحتار..”
“كيف تسمعها تبكي؟.” سأل مايكل مجددًا بفضول.
“لا أعلم..فور أن اغمض عيناي وأغفو..اسمع صوت بكاء فتاة، أتجه ناحية الصوت..أجدها على الأرض..تغطي وجهها مع شعرها البني يغطي جسدها..مع هذا..جسدها مليء بالكدمات..تبكي فقط..أكلمها؟. لا تجيبني..تواصل البكاء وحدها..خائفة وترتجف..وكل مرة أحاول الاقتراب أكثر..استيقظ من النوم..” قال يروي حلمه يحاول يتذكره بأدق التفاصيل.
“لا تعطيك تلميح؟.” سأل مجددًا بينما يميل رأسه.
“لا..هذا ما يجعلني أظن أنه نتيجة الخوف..” قال ونظر للنجوم بالسماء..
صمتّ مايكل قليلا ثم نطق بعد نظره لنجمة معينة “لا اعتقد انه مجرد حلم..ربما لقوة علاقتكم، وترابطكم..استطاعت مشاعر سايا أن تصل لكَ..وبما أنها لا تجيبك..يعني هذا أن مشاعرك لا تصل لها..لربما هالتها الجسدية ضعيفة جدًا..”
“ما الذي تعنيه؟. أي هالة؟. هي بدون قوة..” قال كيفن متسائلًا.
“الهالة لا تعني القوة، أي شخص يملكها، كذلك سايا لم تفقد قوتها بالكامل..لربما يوجد جزء داخلها مازال يحتفظ بتلك القوة لكن لضعف تلك القوة لم تستطع تحريرها مجددًا أو شيء ما يحبسها، أن لاحظت..سايا لم يتغير جسدها، مازال بارد كالثلج، لا تتحمل الحرارة..وما شابه..هذا يثبت أن احتمالية استعادتها لقوتها عالية..لكن لسبب ما، لا تستطيع الشعور بمكانها ولا هي تستطيع أن ترى مشاعرك، ولهذا السبب لا تستطيعان التواصل.” قال مايكل شارحًا الأمر تحت استماع كيفن.
فكر كيفن قليلا ثم نطق “ربما تكون محق..لكن ما الذي يضعف قوتها أكثر؟.”
“سايا شخص يحب البرودة..عنصرها السابق كان ثلج..لربما ما يضعفها..” قال مايكل ليقاطعه كيفن “مكان ساخن..”
“بالضبط..”
في مكان آخر..كانت امرأة ذات شعر أسود وعينين ارجوانية تعد الطعام..بينما يجلس على الطاولة ريوس كئيب تمامًا فالحزن سيطر على قلبه بعد فقدانه لحبيبته.
وضعت أمه الطعام وتكتفت يديها “عزيزي ريوس، الى متى ستبقى بهذه الحالة؟” سألت بحنية لابنها الوحيد.
“أمي..أنا فقط..لا أفهم..كيف حدث هذا؟..أيعقل أن مكروه حدث لها؟ أم..” لم يكمل كلامه لتقاطعه والدته واضعة يدها على ظهره بعد جلوسها بجانبه.
“أعلم انك حزين وخائف عليها..أنا كذلك، سموها لا تستحق أن تتأذى..كذلك..أنا من اعتنيت بها من صغرها..هي بمثابة ابنتي، لكن ما الذي يمكننا فعله؟ لا شيء..أنا فقط خادمة بقصر والدها، انت حبيبها نعم.. لكن لا شيء تستطيع فعله بالنهاية، ماذا لو من خطفها رجل خطير وأذاك ايضًا؟. هل أستطيع تحمل خسارة ابني الوحيد وسبب عيشي؟” قالت معاتبة ابنها ومحاولة مسح أفكاره السابقة.
تنهد الفتى بتذمر مديرًا وجهه لينطق “ماذا لو لم يتم خطفها؟”
“ما هذا الكلام الآن؟” قالت كارلا منزعجة قليلًا من نبرة ابنها.
“أعني ماذا لو حقًا هربت؟. من سيجرؤ على اختطافها بحفلة يتواجد والدها بها! هذا غريب وغير منطقي! ربما قررت الهروب فقط..” تنهد ووضع رأسه على الطاولة.
نظرت له أمه بعينين خائبتين، لم تحب ما سمعته لتوها لتنطق “أهذا كلام تقوله عن فتاة تحبها؟ عن فتاة يتم المدح بأخلاقها ولطفها؟ هذا ما لم أربيك عليه ريوس..”
صمتّ ريوس لوقت بسيط ثم نطق “أردت الهروب معها..لم اخبرها حقًا لأني علمت أنها ستعترض، لكن أعلم أن قوانين العائلة الحاكمة، كذلك والدها..لن يزوجها لأبن خادمة..فكرت ربما وقتها لن أستطيع أن أكون معها..كيف سيكون حالي أن أحبت غيري وتزوجت؟. هذا ما أردت أن أبعد احتماليته..ظننت يجب أن أنتظر لوقت أكثر بعد تتويجها، لكن باليوم نفسه..اختفت..كيف هذا؟.وما الذي يؤكد أنها اختطفت؟ ماذا لو اعجبها رجل وهربت معه؟! ماذا لو ارادت ممازحة عائلتها وقررت الهروب بدون سبب؟؟ أو ربما حقا تم اختطافها وتتأذى الآن..”
بقي يتكلم ونبرته تتغير كل مرة، تارة يصبح غريب وغير معتاد وأناني، تارة آخرى يصبح حزين وخائف وقلق.
ومن المتوقع أن والدته لم ترضى على ما سمعته لتنطق ممسكة رأسها “سأدعي أني لم أسمع أن ابني يشعر بالعار مني، لكن كلامك هذا غير عاقل، أي فتاة ستهرب من والدها هكذا؟ لاسيما أن جلالته لم يحرمها من شيء..حتى مواعدتك رغم كرهه للفكرة لكنه وافق لأجل ابنته..” تنهدت ثم اكملت “ما الذي يجعلك تظن أنها هربت؟”
“لقد وجدت رسالة..بعد سماعي بما حدث بالحفلة..ذهبتُ مسرعًا..أردت التأكد أن ما سمعته كذبًا وان سايا بخير..لكني..وجدت ورقة على بعد قليل من الحادثة وكان من الواضح أن احد لم ينتبه لها..كان محتواها.. «أميرتي الحسناء، أهذا يوم ميلادكِ؟ تبدين جميلة كعادتكِ، كما وعدتكِ سأتي لأخذكِ من هذا المكان وسنعيش معًا سعداء.» علمتُ أنها لم تختطف.. لكن لم أستطع الكلام مع أحد للتحقيق في هذا..كان الجميع خائف وهلع…لذا تسترت عن الأمر..”
صمتّ كارلا بسبب ما سمعته لتوها ثم فكرت “كيف لسموها أن تفعل هذا؟. اعرفها منذ ولادتها..من المستحيل أن تكون.. لربما الرسالة ليست لها!”
بدأ ريوس يفقد اعصابه وبالفعل ضرب الطاولة صارخًا ناسيًا أنه يكلم والدته “لما قد لا تفعل؟! هي أميرة مدللة ستفعل ما تريده فقط! لم أشعر يومًا أنها أحبتني حقًا، لطالما كانت تبدو لي..كأنها..تشعر بالشفقة عَليّ!. لربما حقًا أحبت رجل آخر ولم تريد إخبار أحد وهربت معه! هذا ليس مستحيل حقًا..امي انتِ هربتِ من عائلتكِ لأجل والدي! ثم؟! هجركِ وترككِ تنجبيني وحدكِ..و..”
لم يكمل كلامه ليتلقى صفعة أخرسته تمامًا “نعم فعلتُ، تخليتُ عن الحياة الجميلة التي كنت اعيشها بسبب حبي لوالدك، بينما والدك؟. كان مجرد شيطان قذر بالنهاية، قرر هجري فور أن سمع أني حامل..علمتُ أني لن أستطيع العودة لعائلتي، فقلت لما يا كارلا تريدين جهض طفل لا ذنب له بما حدث؟. فهو ذنبكِ وحدكِ..لهذا أنجبتك.. وبسبب كرم ولطف جلالته، ورغم كوني بالفعل أنجبت طفل بشكل غير شرعي، ومن شيطان..وحتى عائلتي لم تردني..إلا أنه تركني اعمل بالقصر، أتعلم؟. لو علمت أن ابني سيرث طباع والده..لأجهضتك وعدت لحياتي السابقة..”
قالت والدموع منهمرة من عينيها، ما سمعته من ابنها توقعت سماعه من الكل عداه..كُسر قلبها وفتح ماضيها..ما الفائدة؟ أذنبت ذنب وتمت معاقبتها عليه..
ثم أكملت “تشعر بالعار من كوني والدتك صحيح؟. والدتك التي تعمل كخادمة فقط لكونها تريد أن تجعلك تعيش حياة جيدة؟. إذا أذهب لوالدك.. اتعلم؟. بعد انجابي لك بمدة طويلة..ارادك..لكني رفضتُ خوفًا عليكَ منه! لكن ما الفائدة؟. لا شيء..إن أردت، سأعطيك عنوانه واذهب له..لكن صدقني ريوس، أن فعلت هذا..لن تكون أبن لي..” قالت ثم غادرت الطاولة..
فور أن انهت هذا..أدرك ريوس ما قاله وكيف جرح والدته ليصفع ذاته ويلومها “بجدية..كيف تقول هذا لوالدتك؟!. تبًا..فقدتُ عقلي حقًا..” صمتّ وفكر قليلًا ثم نهض واتجه لغرفة والدته والندم واضح على وضعه.
“امي..اسف حقًا..كانت مجرد زلة لسان..” لم تجيب كارلا..بقيت جالسة بمكانها ليأتي ويجلس بجانبها حاضنًا لها.
“اسف حقًا..لا أشعر بالعار من كونكِ والدتي..لكن فقط..لا أعلم ما الذي حَل بي.. أمي..تعلمين أني لا أملك غيركِ..لذا..لا تغضبي مني حسنًا؟. لا أريد والدي ولا أريد معرفة شيء واحد عنه..أريد فقط البقاء معكِ..وأعدكِ..لن يتكرر هذا الأمر..” قال ومن الواضح أن الندم عليه، من نبرته ومحياه.
تنهدت الأم وربتّ على رأس ابنها “أنت أبن مزعج حقًا ريوس..”
ضحك ريوس وأمسك بيدها وقبلها “لكني ابنكِ.”