لوحة الربيع - 14
مرت ٤ أشهر منذ قضية يومي، أصبح هارو يعيش مع كازو بمنزل جده لتبقى يومي بمفردها بمنزل هارو، فلا يصح أن يعيشا سويًا بمفردهما بعد وفاة السيدة وردة وعودة كازو لمنزله، مابين عملٍ بالحقل وأيام سعيدة معهم وعناية أهل القرية المحبة لهم كتذكارٍ باقي، أتى العاشر من أكتوبر .. يوم ميلاد يومي .
استيقظت يومي وبدأت تعد إفطارها لتبدأ نهار فتاة يوم الميلاد بنشاط، نهار أول ميلاد بلا قيود الماضي ولا خوفه، طرقت الباب على منزل كازو لكن بلا رد أو مجيب فظنت أنّهما خرجا باكرًا للعمل.
يومي أصبحت في الثامنة عشر، هارو وكازو سيصبحان في العشرين، كم مضى الوقت سريعًا ..
أمضت يومها كعادتها وذهبت لحقل السيدة وردة لتعمل به، حالما وصلت وجدت ثمار الفراولة قد نضجت.. كم كانت تحبها السيدة وردة، فجأة سقطت برتقالة على رأس يومي، رفعت رأسها لتجد البرتقال أيضًا قد نضج في غير موعده، ابتسمت فهذه فاكهة آلبرت المفضلة ..
جمعت الفراولة والبرتقال في سلة وقررت العودة للمنزل لتغسلها وتتناولها مع هارو وكازو سويًا، حينما خرجت من الحقل وجدت كازو قادمًا إليها :
-“مرحبًا كازو مساء الخير، أين أنتم؟”.
-“مساء الخير يومي، أرغب بالحديث معكِ قليلًا”.
استغربت يومي من حاله المتشتت قليلًا وجلسا سويًا في كرسي الحقل لتستمع اليه :
-“إذًا مالذي حدث؟”.
-“سأسألكِ سؤالًا .. كيف علمتِ أنكِ تحبين هارو؟”
-“آيه .. ماهذا السؤال الغريب، حسنًا .. لم أدرك متى أحببته وكيف ولماذا لكنّني أدركت أني أحبه حينما ضمّني في يوم ميلادي .. شعرت بأن قلبي يترفرف”. -واحمرّت خجلًا-
-“حسنًا قلبي يترفرف أيضًا لكنها لم تضمني”.
صمتت يومي تفكر قليلًا ثم التفتت وصرخت :
-“هااااه؟؟؟ مالذي قلته؟؟ “.
أحمر خد كازو قليلًا :
-“أظنني .. أحب فتاة ما”.
ابتسمت يومي بسخرية وسعادة وسألت :
-“كايو أليس كذلك؟”.
-“قبل سنتين وعندما كنت في خوض بحثي عن الدببة والعسل كنت أصادف تلك الفتاة التي سبق ودرست معها في الإبتدائية لكن بلا تواصل؛ لديها مثل اهتماماتي! كلانا نحب الدببة! لذا شعرت أنها مميزة!! “. -ولمعت عيناه بشدة-
تكاد يومي تضحك لكنها تتمالك نفسها وتساله :
-“إذًا تحبها لأنها تحب الدببة؟”.
-“كلا، بالبداية ذُهلت بها وأُعجبتْ لهذا السبب، لكن عندما تعمقت صداقتنا أكثر وخرجت عن إطار أصدقاء طفولة رأيت كم هي فتاة رائعة و..”.
-“و؟”.
-“سأموت إن لم اذهب وأخبرها حالًا”.
-“يالك من سريع! كم لعبت بقلبك تلك الممرضة، لكن لِمَ الكذب لديك ذوق جيد، أدعم قرارك إعترف لها بسرعة ولا تطلها، ستهرب من يديك”.
ابتسم كازو وشكر يومي وذهب مسرعًا ليعترف، ضحكت يومي على براءة كازو الذي أفسد الحب رزانته وثقل شخصيته، ثم تخيلت اعتراف هارو لها وتنهدت.
حملت سلة فواكهها وعادت للمنزل لتستحم وترتدي فستانًا ذا لون أصفر فاتح يميل للون الليمون، انتبهت لوجود رسالة تحت باب غرفتها
“عزيزتي يومي، قابليني عند مقهى بوابة القرية .. حيث التقيتك وبدأ كل شيء”
ابتسمت يومي بإشراقة وذهبت مسرعة للعربة لتقود لبوابة القرية، أوقفت عربتها ونزلت لتمشي صوب هارو الذي وقف أمام بوابة دخول القرية، حالما اقتربت أخفى هارو يدًا وبيده الأخرى أمسك بيدها وقبلها ثم نظر لها :
-“أهلًا بك آنستي في قلبي المتواضع”.
وقف واعتدل ثم أظهر يده المخفية حاملًا فيها باقة ورد حمراء وفي وسطها علبة خاتم بألماسة زرقاء صغيرة، ركع على ركبتيه قائلًا :
-“أمضيت ٢٠ عامًا لم أستشعر فيها معنى ربيع اسمي سوى معكِ، يامن كانت حسنائي وبهجتي وسعادتي، هلا قبلتِ بحب هارو وهيامه لكِ ليمضي بقية عمره رفقتكِ”.
أخذت باقة الورد وأجابت :
-“يامن حوّل خريف حياتي لربيع كإسمه، قبلتُ بك شريكًا لروحي ورفيقًا لحياتي وحبيبًا لقلبي”.
ألبسها الخاتم ثم وقف بسرعة وحضنها كمن نال على كنزٍ ظل يبحث عنه طيلة حياته.
أمسك بيومي وأدخلها للمقهى للإحتفال، حالما دخلت صرخ كازو وكايو بصوت واحد : “تهانينا!!”
لم يكد يُسمع صوت كازو الهادئ مقارنةً بكايو المفعمة بالطاقة
جلسوا جميعهم للإحتفال بخطبة يومي وهارو ورقصوا وضحكوا، حينما انتهو فاجأهم هارو بخبر صادم بكل حماس :
-“غدًا حفل زفافنا ! “.
يومي : “هاه”.
كازو : “هاه”.
كايو : “هاه”.
يومي : “هااااااااه!!”.
-“ماذا ؟.. خطبتنا بيوم ميلاد يومي وزواجنا بيوم ميلادي!”.
أردف بابتسامة سعيدة محبة :
-“حضّرتُ للزفاف وتم ترتيب كل شيء”.
وقفت يومي بسرعة :
-“اعذروني علي الذهاب للتجهيز حالًا”.
وركضت مسرعة
هارو : “انتظري سآتي معك”.
يومي : “أسرع لا وقت لدينا!!”.
وخرجا مسرعين للعربة ليتحضرا لزفافهما المفاجئ.
بقي كازو وكايو لوحدهما يتفكران في حال هذين الثنائيين الغريب، التفتا ينظران لبعضهما وضحكا ساخرين على حالهما.
كازو بحزم :
“لنتزوج في يوم ميلادك”.
-“كلا كلا ليكن تاريخًا بمفرده”.
-“أتريدينه حفلًا كبيرًا؟”.
-“همم لست أظن ذلك، لِمَ نقرر هذا الآن؟ لكل حدث زمنه الخاص”.
في ظهر اليوم التالي استيقظت يومي بكل توتر، زارتها كايو لتحضيرها لحفل الزفاف الذي سيقام في قاعة القرية.
-“إنني متوترة”.
-“لا عليكِ، سيمر بشكل هيّن وسيصبح هارو زوجكِ رسميًا”.
وضعت يومي يديها على خدّيها المحمرّين :
-“لا أصدق أن الحب جميل هكذا!”.
ابتسمت كايو :
-“هو كذلك مع الشخص الصحيح”.
-“كيف حال علاقتكِ مع كازو؟”.
-“أتسألينني عن علاقتي في يوم زفافكِ؟ “. وضحكت
أنهت المصففة شعر يومي لتذهب لترتدي فستان زفافها الذي اشترته بالأمس مع هارو، كانت ترتديه وقلبها يتراقص فرحًا، لم تتخيل يومًا أنّ زفافها سيكون بشخص مليئٌ بالحب كهارو، بعدما ارتدت وتجهزت نظرت لنفسها في المرآة .. كم كانت عروسًا بغاية الجمال .. تمنّت لو أنّ والديها والسيدة وردة وآلبرت معها في هذه المناسبة السعيدة.
نادتها كايو للذهاب، نزلت يومي برفق من الدرج التي سقطت منه مرارًا وتكرارًا وقد شعرت أنّها كبرت فعلًا، نظرت لترى هارو الذي زاده زي العرس وسامةً وبهاءً وابتسمت بكل حب لمن ستشيخ معه على نفس الوسادة،
ليبادلها بإبتسامة عريضة ملؤها الحب الشديد وهو يتأمل يومي بحسنها وجمالها غير مصدق أنّها له بعد اليوم .. ثم رفعت ناظرها للسيد توماس وقد شعرت لوهلة أنّ روح أباها تقف مكانه مشجعةً إيّاها ..
إقترب توماس ليمسك بيدها متوجهين لعربة الزفاف المزينة بالورد والقماش الابيض ليتوجها لقاعة الزفاف بينما سبقهما هارو بعدما كحل عينه بجمال زوجته مسبقًا. دخلت يومي وفوجئت بالقاعة التي نسقها هارو كما تحب تمامًا، بُهرت بمدى معرفة هارو لها .. الورود المنتثرة والنباتات الخضراء معلقة بكل مكان رفقة أغصان بنية، والطاولات السكرية اللون وفوقها باقات ورد بيضاء، مشت رفقة السيد توماس ليحل محل والدها، يزُفُّها لهارو الذي سَكَر في خمر حبها متأملًا إيّاها بنظرات منبهرة تصرخ بحب شديد.
تم عقد زفافهما ورقصو حتى تفطّرت أقدامهم وهالة المودة والحب تحيط بهما، أنتهى الحفل وعادا لمنزل قد أصبح منزلهما سويًا، دخلت يومي لتجد الأثاث وقد تغير والزينة والترتيب قد تجددا، وكأنه منزل آخر غير الذي كانت فيه صباح اليوم، حتى غرف الطابق الثاني لم تعد كما كانت، تحولت الغرف الثلاثة لغرفة مشتركة لهما، غرفة مكتبة وغرفة طفل مستقبلي.
كل تلك تحضيرات هارو لبداية حياة جديدة، في صباح اليوم التالي وأثناء حملهم لحقائب شهر العسل وجدا بريدًا
فتحته يومي وقرأته :
“عزيزاي يومي وهارو، أثرتما عواطفنا فذهبنا لنعقد زواجنا ونذهب فورًا لإكتشاف غابات الدببة والنحل في شهر عسلنا الفريد
لنلتقي لاحقًا عند إنتهاء شهرنا
كازو وكايو ✌🏻”
نظرا لبعضهما لبضع دقائق يحاولان إستيعاب الرسالة
-“أهذا كازو الذي نعرفه ؟”.
-“لستُ أظن ذلك”.
-“طوال حياتي معه لم أره متسرعًا لهذه الدرجة”.
ضحكت يومي :
-“إنّه الحب”.
ركبا عربتهما وذهبا في شهر عسلهم لتبدأ حياتهم الزوجية وعمرهما الجديد بكل حماس.
يُتبع …
حساب الانستغرام : @imamy03